خيارنا الوحيد: المقاومة دفاعاً عن لبنان وفلسطين والأمة
لبنان ليس في وضع يمكّنه من المفاضلة بين وقف إطلاق النار ودحر العدوان “الإسرائيلي” المتواصل بل بات محكوماً بالتزام خيار وحيد هو المقاومة الناهضة بواجب الدفاع عن النفس وعن فلسطين والأمة.
يدور جدال طويل في لبنان حول أيّهما أجدى: السعي إلى وقف إطلاق النار أم المقاومة بغية دحر عدوان “إسرائيل” المتصاعد على الأرض والبشر والشجر والحجر والمصير وقوات حفظ السلام الأممية “اليونيفيل” وكلّ مظاهر الحياة في بلادنا؟
مريدو وقف إطلاق النار أولاً جلّهم من خصوم حزب الله الناهض مع تنظيمات أخرى لبنانية وفلسطينية وعربية، وخاصةً الحزب السوري القومي الاجتماعي، بمقاومةٍ ضارية للعدو الصهيوني. مريدو دحر العدوان الصهيوني جلّهم من أعداء “إسرائيل” التي ما فتئت تعتدي على لبنان بشكل او بآخر مذ وقّعت حكومته معها اتفاق الهدنة سنة 1949 وصولاً الى احتلالها نحو نصف مساحته سنة 1982 وإقامة شريط احتلال على امتداد حدوده مع فلسطين المحتلة دام نحو عشرين سنة، ولم تنسحب منه إلاّ بفضل مقاومة شعبية عنيدة.
ها هي “إسرائيل” اليوم تحاول إعادة احتلال لبنان. وها هو حزب الله وحلفاؤه اليوم يقومون بالتصدّي لها وتكبيدها خسائر بشرية ومادية فادحة ما حملها على إطلاق العنان لسلاحها الجوّي ليضرب ليل نهار المنازل والمحال المدنيّة والمرافق الاقتصاديّة على مدى مساحة لبنان كله من جنوبه إلى شماله والتسبّب بتهجير ما لا يقلّ عن مليون وثلاثمئة ألف مواطن.
هل من فرصة حقاً لأيّ تسوية لوقف إطلاق النار بعد انتهاء الانتخابات الرئاسية الأميركية وفوز دونالد ترامب بالرئاسة؟
الجواب: كلّا ما دام بنيامين نتنياهو في السلطة؛ وكلّا ما دامت الدولة العميقة في الولايات المتحدة تعتبر «إسرائيل» قاعدتها الأماميّة الأفعل للدفاع عن مصالحها وللتفاهم مع حلفائها في منطقة غرب آسيا الممتدّة من شواطئ البحر الأبيض المتوسط جنوباً الى شواطئ بحر قزوين شمالاً؛ وكلّا ما دامت الولايات المتحدة تهيمن على النظام الدولي القائم حاليّاً وإنْ بات محكوماً عليه بالتراجع والانحسار بعد صعود الصين اقتصادياً وعسكرياً وتمتين تحالفها مع روسيا.
ما كان نتنياهو ليتغوّل في سياسته الرافضة وقف إطلاق النار والاعتداء على «اليونيفيل» ومطالبتها بمغادرة جنوب لبنان، والتمادي في ذمّ الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ودعوته للشعور بالعار لكونه طالب بوقف توريد الأسلحة الى «إسرائيل» لولا وثوق رئيس حكومة «إسرائيل» من دعم الولايات المتحدة له في حربه الإبادية على غزة واعتدائه الفاجر على لبنان ورفضه وقف إطلاق النار. ألم يصرّح الرئيس الأميركي جو بايدن بأنه يعلم توقيت وطبيعة هجوم «إسرائيل» المرتقب على إيران إنما «لن يكشف ذلك الآن»؟ ألم يصرّح موفده الى لبنان أموس هوكشتاين لقناة «الجديد» التلفزيونية «انّ القرار الأممي 1701 يحتاج الى تعديلات وإضافات من أجل ضمان تطبيقه»، رافضاً تقديم أيّ ضمانات لوقف العدو قصف العاصمة بيروت وضاحيتها الجنوبية؟ ألا تُثبت هذه الاعتداءات والمواقف أنّ الحراك السياسي الأميركي يدور تحديداً في إطار مساعي واشنطن الهادفة الى استكمال ما لم ينجح العدو الصهيوني في تحقيقه في لبنان وهو بلورة صيغة سياسية وأمنية لضمان عدم تعافي مقاومة حزب الله وحلفائه واستعادة قدراتهم وقوة ردعهم في الحاضر وفي مرحلة ما بعد الحرب؟
في ضوء هذه الواقعات والتطورات، يتضح أنّ لبنان ليس في وضع يمكّنه من المفاضلة بين وقف إطلاق النار ودحر العدوان «الإسرائيلي» المتواصل بل بات محكوماً بالتزام خيار وحيد هو المقاومة الناهضة بواجب الدفاع عن النفس وعن فلسطين والأمة، وضرورة توفير كلّ القدرات والمستلزمات المطلوبة لتأمين النجاح في صدّ العدو وإلحاق الهزيمة به.
أكثر من ذلك، بات لزاماً على القوى الوطنية في الحكم والمعارضة أن تعي حقيقة صارخة هي عدم توقّع أيّ دعم محسوس ومجدٍّ من القوى الحاكمة في دول الغرب الأطلسي الأوروبية والأميركية. ذلك أنّ التطورات السياسية والاقتصادية في تلك الدول أثّرت في قوى اليمين ذات التراث الايديولوجي اللاسامي، بحسب المفكّر الفرنسي المعروف ألان غريش، و»حوّلتها الى قوى مؤيدة لـ»إسرائيل» إذ أضحى الإسلام بالنسبة اليها هو العدو الرئيس بعدما نجحت في فرض خطابها ومفاهيمها على الساحات السياسية في الدول الأوروبية».
إلى ذلك، ثمّة حقيقة أخرى يقتضي أن تأخذها قوى المقاومة اللبنانية والفلسطينية والعربية في الحسبان هي أنّ ما من قوة وازنة تدعمها في العالم سوى إيران. ولئن تمكّنت إيران من مواجهة الضغوط والعقوبات الأميركية ضدها منذ انطلاق ثورتها سنة 1979 ونجاحها على الصعيدين العسكري (خصوصاً في صناعة الصواريخ الباليستية بعيدة المدى) والتكنولوجي إلاّ أنها ما زالت تواجه ضغوطاً أميركية شديدة وخطراً إسرائيلياً داهماً باستخدام السلاح النوويّ ضدها.
صحيح أنّ إيران أبدت استعداداً جدّياً لدعم قوى المقاومة اللبنانية والفلسطينية والعربية سياسياً وعسكرياً، وأوْفدت كلاً من وزير خارجيتها عباس عراقجي ورئيس برلمانها محمد باقر قاليباف الى لبنان وسورية ليؤكدا التزام طهران بدعم قوى المقاومة والحكومات العربية التي تناصرها، إلاّ انّ التزامها الأول يبقى الدفاع عن نفسها لكونها مهدّدة بهجوم «إسرائيلي» قد يستهدف منشآتها النووية.
قد تكون طهران قادرة على الوفاء بالالتزامين معاً، لكن التحدّي يبقى كبيراً جداً، لا سيما اذا استطاع نتنياهو أن يجرّ الولايات المتحدة الى مشاركته هجومه المرتقب عليها قبل العشرين من كانون الثاني 2025 تاريخ اضطلاع الرئيس المنتخب دونالد ترامب بسلطاته.
مهما يكن الأمر، فإنّ إيران ما كانت لتلتزم دعم المقاومتين اللبنانية والفلسطينية معاً لو لم تكن قادرة على ذلك، ولعلها تدرك أيضاً أنّ ما تفتقر إليه كِلتا المقاومتين هو صواريخ للدفاع الجوي يمكنها التصدّي لطائرات «إسرائيل» المتطورة من طراز F-35.
يتردّد أنّ إيران تمتلك صواريخ S-300 وربما S-400 الروسية الصنع التي تستطيع إسقاط طائرات «إسرائيل» الأميركية المتطورة في حال تحليقها في سماء إيران او على مقربة من اجوائها، إنما يتعذر عليها ذلك إذا كانت تحلّق فوق لبنان او فلسطين نظراً لبعد المسافة.
كيف يمكن معالجة هذه المعضلة؟
ثمة حلاّن: الأول صعب والثاني سهل. الحلّ الصعب هو تزويد قوى المقاومة بصواريخ دفاع جوي فعّالة تمتلكها إيران إنما يصعب نقلها إلى لبنان. الحلّ السهل هو أن تقوم طهران بتزويد قوى المقاومة العراقية بهذه الصواريخ بغية استخدامها ضدّ طائرات «إسرائيل» عند قيامها بقصف أهداف مدنية او عسكرية في لبنان وفلسطين المحتلة. يبقى أن تكون الصواريخ الإيرانية تلك قادرة على الانطلاق والفعل المجدي من أقرب مسافة بين العراق ولبنان وفلسطين.
أما إذا كان طول المسافة يحول دون استخدام قوى المقاومة العراقية صواريخ الدفاع الجوي الإيرانية من الأراضي العراقية، فلا يبقى أمام طهران إلاّ الإعلان بأنّ «ثأرها» من «إسرائيل» انتقاماً للبنان وفلسطين وإكراماً لشعبيهما سيتجلّى في ردّها الصاعق على هجوم «إسرائيل» المرتقب عليها في أيّ وقت.
الصبر الاستراتيجي مفتاح الفرج اللبناني والفلسطيني والعربي.