في العيد الـ93 لتأسيس الحزب السوري القومي الاجتماعي!
من يعتقد ويتصوّر أنّ اتفاقات كامب دايفيد، ووادي عربة، وسياسات التطبيع المهينة، والهرولة الذليلة باتجاه العدو «الإسرائيلي» ستنهي الصراع العربي ـ «الإسرائيلي»، وتروّض شعوب الأمة، واهم واهم
كان الهدف الرئيس لتأسيس الحزب السوري القومي الاجتماعي عام 1932على يد زعيمه أنطون سعاده، النهوض بالأمة من سباتها العميق، وإخراجها من حالة التمزق والتقسيم الذي زلزل المنطقة على يد سيّئَي الذكر سايكس وبيكو، والتحرّر من قبضة الاستعمار ونفوذه وهيمنته عليها والتحكم بمصيرها، ومقدراتها وثرواتها.
في الداخل، أخذ أنطون سعاده على عاتقه التصدي للإقطاع السياسي، والمالي، والاجتماعي والطائفي، والعائلي، ومواجهة الأمّية، والتخلّف والجهل والفقر، والتعصب، والعمل على تحقيق الوحدة القومية بين أبناء الأمة الواحدة، ومواكبة حركة التطور الإنساني، بغية إرساء مفاهيم العدل، والحرية، والسيادة، والاستقلال الحقيقي وحقوق الإنسان.
منذ اللحظة الأولى لتأسيس حزبه القومي، تنبّه أنطون سعاده بحسّه ووعيه الوطني والقومي المبكر، إلى ما يحيط بالأمة من أخطر تهديد يطال أرضها، وجودها، تاريخها، حضارتها، قوميّتها، قيَمها، ثقافتها، سلامها، أمنها وبقاءها. تهديد حذّر ونبّه منه على الدوام، والذي يتمثل بالمشروع الصهيوني الاستعماري الذي يُداهم الأمة وشعوبها، مطلقاً صيحته للاضطلاع بالمسؤوليّة القوميّة التي تقع على عاتق أبناء الأمة، لمواجهة العدو الصهيونيّ، بالوعي وإدراك الذات، والنضال المستمرّ.
ما نبّه إليه أنطون سعاده وحزبه في الثلاثينيات من القرن الماضي، من تداعيات المشروع الصهيونيّ على الأمة، تحقق على أرض فلسطين بعد أن زرع الكيان «الإسرائيلي» المؤقت على أرضها عام 1948، بدعم وتواطؤ دول الشر، وقوى الاستعمار العالمية.
لقد استطاعت «إسرائيل» منذ هذا التاريخ، أن تتمدّد وتتوسّع في احتلالها للأراضي العربية، وأن تستبيح المحرّمات، والقوانين الدولية، والأمم المتحدة، أمام تواطؤ، وخيانة، وعمالة، وخذلان العديد من حكام صوَريّين، ابتُليَت بهم الأمة، حيث تاجروا بالقضية، فيما العديد من المسؤولين والسياسيين عملاء، ساروا في ركب قوى الاستبداد والتسلّط الراعية والداعمة لـ «دولة» الاحتلال، إذ ارتضوا أن يكونوا لها مطيّة، وأداة طيّعة ليّنة في خدمة سياساتها الداعمة بالمطلق، لأطماع «إسرائيل» في التوسّع، وبسط النفوذ الغربي على المنطقة كلها.
كان اعتراف هؤلاء بكيان الاحتلال، ومن ثم التطبيع معه بداية التصدّع والانقسام الشديد في الموقف العربي، والانحراف الكلي عن المبادئ والثوابت القومية المتعلقة بالقضايا الجوهرية للأمة، وكشف مدى التواطؤ على حقوق الشعب الفلسطيني، ومصير المنطقة كلها، بعد أن أدخلوها في العصر «الإسرائيلي»، بضغط وتأييد من الولايات المتحدة، بغية إنشاء شرق أوسط جديد يدور في الفلك الأميركي!
الأمة وشعوبها هي اليوم أمام مواجهة حقيقية، لا يمكن لها بأيّ حال من الأحوال الخضوع، أو الركوع، أو الاستسلام للأمر الواقع الأميركي – الإسرائيلي والقبول به، أو المساومة على قضية الأمة ووجودها، وإنْ حصلت من حين إلى آخر نكسات، لا تشكل نهاية مطاف للصراع الوجوديّ الدائم ما بين أصحاب الأرض الشرعيين، وسارقيها من شذاذ الآفاق.
أحوج ما تكون إليه الأمة في الوقت الحاضر، أن تدرك ذاتها من جديد، وأن يستيقظ حسّها ووجدانها القومي، وتستنهض وحدة شعبها حول قضيته المصيرية، وأن تعي الخطر الذي يهدّد وجودها وأرضها، وأن تعي حقيقة الخطر المتنامي الذي لن يتوقف عند حدود فلسطين. خطر يستند إلى مفاهيم توراتية تلمودية عدوانية عنصرية، مشبعة بالكراهية والحقد، ترفض الآخر وتكرهه، لا تتورّع عن إبادته، واقتلاعه من جذوره، حيث لا تفرّق في كراهيتها العمياء بين دين وآخر، أو بين قومية وأخرى، ما دام المفهوم الديني والعنصري اللاإنساني للأحبار والحاخامات اليهود ورعاياهم يصنّفون انفسهم بـ «شعب الله المختار»، ويصنّفون سائر البشر بـ «الغويم»، ودون الحيوانات!
لا يمكن الركون للعدو «الإسرائيلي»، لا اليوم ولا غداً، ولا يمكن الحديث عن السلام معه، سلام المستحيل. إنه الصراع الدائم الذي لن توقفه اتفاقيات، ومعاهدات ومواثيق مزيفة صُوْرية، طالما هناك حقوق أمة وشعب، فيما هناك دولة عدوان واحتلال دائمين، تكشر عن أنيابها في كلّ وقت، تحمل خريطتها التوراتية التي يلوّح بها قادتها، مدمنو الحروب، يطالبون بوقاحتهم المعهودة، بسط دولة الاحتلال الصهيوني وسيطرتها على المنطقة كلها.
إنّ الحركات والمنظمات والأحزاب السياسيّة والفعاليات الوطنية والقومية، والنقابات على أنواعها، لا سيما نقابات المحامين، والحقوقيين، والإعلاميين، والمفكرين، وأساتذة الجامعات، والكتاب، والناشطون، ونقابات العمال مدعوّون اليوم، أكثر من أيّ وقت مضى، إلى مواجهة الخطر الصهيوني المتنامي الذي يهدّد وجود ومستقبل الأمة في الصميم، بعد الذي جرى من حرب الإبادة، والجرائم الهمجيّة، والتطهير، والدمار الشامل الذي ارتكبه جيش الإرهاب «الإسرائيلي» في قطاع غزة ولبنان منذ أكثر من سنة ولا يزال…
هؤلاء مدعوّون أيضاً إلى وحدة الصف والهدف، والكفّ عن الحساسيّات، والانقسامات والخلافات التي تصبّ مباشرة في صالح وخدمة العدو، والعمل على توحيد الجبهات والرؤى المشتركة، والتمسك بوحدة الصف والهدف، وإعادة تقييم عمل المرحلة السابقة والحالية بشفافية كاملة، دون ان تكون بعيدة عن النقد الذاتي، والاعتراف بالتقصير، والخطأ في التقدير والحسابات!
من يعتقد ويتصوّر أنّ اتفاقات كامب دايفيد، ووادي عربة، وسياسات التطبيع المهينة، والهرولة الذليلة باتجاه العدو «الإسرائيلي» ستنهي الصراع العربي ـ «الإسرائيلي»، وتروّض شعوب الأمة، واهم واهم. صراعنا مع العدو «الإسرائيلي» ليس صراعاً سياسياً أو اقتصادياً ينتهي باتفاق كما يتوهّم البعض، إنما هو صراع وجودي ومصيري لن يتوقف ما دام الاحتلال قائماً، وما دام هناك عدو «إسرائيلي» شرس، وتهديد دائمين، وشعب عربي مصمّم على انتزاع أرضه وحقوقه من الصهاينة وإنْ كلف المزيد من التضحيات. هذا ما يعرفه جيداً القادة الصهاينة في تل أبيب، ويعرفون أنّ السلام مع بعض أنظمة «العرب» سلام مؤقت، وأنّ السلام مع شعوب الأمة، هو السلام المستحيل، إلى أن يحين الوقت لاقتلاع دولة الاحتلال والإرهاب من جذورها…!