أولى

لا راية بيضاء…

‭}‬ أحمد بهجة
نُقل عن الرئيس نبيه بري خلال الأيام القليلة الماضية قوله أمام زواره إنّ لبنان ومقاومته وشعبه لا يمكن أن يرفعوا الراية البيضاء، وذلك رداً على تساؤلات البعض بشأن الورقة التي تسلّمها من السفيرة الأميركية في لبنان ليزا جونسون، وفيها ما جرى الاتفاق عليه بين واشنطن وبين رئيس حكومة العدو بنيامين نتن/ياهو (بما يشبه اتفاق جحا وأهل بيته).
لم يعط الرئيس بري سائليه إلا عناوين عامة معروفة تلخّص ثوابت الموقف اللبناني الرسمي، وهو إلى حدّ كبير الموقف الذي تعبّر عنه المقاومة، علماً أنّ التواصل دائم ويومي بين طرفي الثنائي، خاصة أنّ الرئيس بري لديه تفويض تامّ من حزب الله كما أكد أكثر من مرة سماحة الأمين العام الشيخ نعيم قاسم.
لكن ما تمّ تسريبه من الورقة المذكورة أتى من الجانب الأميركي ـ «الإسرائيلي»، لا سيما في ما يتعلق بتطبيق القرار 1701، حيث يحاول واضعو الورقة «التشاطر» واختراع آليات تنفيذية غير موجودة إطلاقاً في القرار المذكور، بمعنى أنّ المطلوب موافقة لبنانية على تعديل القرار وجعله (1701+) من دون الحاجة إلى عرض التعديلات على مجلس الأمن، حيث لا مجال لتجاوز روسيا والصين.
وهنا يعلق أحد الأصدقاء الظرفاء بالقول إنّ المفاوض الأميركي «جاي يبيع المي في حارة السقايين»! ويسأل: كيف يمكن لهؤلاء أن يتشاطروا على الرئيس بري وهو «شيخ الكار» في التفاوض وانتزاع المطالب التي يريدها…
لقد أصيب المسؤولون «الإسرائيليون» بشيء من النشوة حين حققوا بعض «الإنجازات» في الأيام الأخيرة من شهر أيلول، تفجيرات أجهزة الـ «بايجر» واللاسلكي واغتيال عدد غير قليل من القادة العسكريين في المقاومة، ثم تتويج ذلك باغتيال سماحة الأمين العام الشهيد الأقدس السيد حسن نصرالله، وبعده مباشرة اغتيال سماحة السيد الشهيد هاشم صفي الدين…
اعتقد قادة العدو ومعهم الأميركيون أنّ بإمكانهم أن يفرضوا الشروط التي يريدونها على المقاومة بعد هذه الضربات الكبيرة، وقال وزير الحرب يومها يوآف غالانت إنّ التفاوض سيكون تحت النار، بمعنى أنّ الضغط سيستمرّ حتى يخضع لبنان ومقاومته لما يريده العدو، الذي جعلته تلك النشوة يرفع سقف مطالبه ولا يكتفي بمطالبة حزب الله الانسحاب مع كامل سلاحه من منطقة جنوبي نهر الليطاني بل أصبح يريد أن يتحقق ذلك الانسحاب إلى نهر الأوّلي!
لكن المفاجأة للجميع في الداخل والخارج كانت نهضة المقاومة في فترة وجيزة جداً، حدّدها سماحة الشيخ نعيم قاسم حين قال إنّ كلّ الأمور انتظمت اعتباراً من 8 تشرين الأول الماضي. وها هو الميدان يقول للأعداء كلاماً آخر مفاده أنهم أرادوه تفاوضاً تحت النار فليكن كذلك، وهذه نار المقاومة تحرق جيشهم الجرّار، وتجعله جيشاً مهزوماً عاجزاً عن احتلال قرية واحدة والاستقرار فيها لأكثر من 24 ساعة، مع العلم أنّهم حشدوا أكثر من سبعين ألف جندي بما معهم من آليات وأعتدة هي الأكثر تطوّراً في العالم الذي يقدّم لهذا العدو الغاشم كلّ الدعم السياسي والمالي والإعلامي والعسكري والاستخباري وكلّ ما توصّلت إليه اختراعات التكنولوجيا الحديثة والذكاء الاصطناعي… لكن كلّ ذلك لا يجدي نفعاً أمام رجال الله في الميدان الواقفين الثابتين على امتداد الخط الحدودي في جنوبنا الغالي، ويقاتلون بكلّ شجاعة وبسالة ومهارة يشهد لهم بها العالم أجمع بما في ذلك إعلام العدو نفسه وجنرالاته المتقاعدون الذين يحق لهم الكلام على عكس مَن هم في الخدمة الفعلية، ويسلّم هؤلاء المتقاعدون بعجز جيش العدو وينصحون بإنهاء الحرب مع لبنان في أسرع وقت ممكن…
ولا شكّ أنّ كلّ مراقب موضوعي، حتى لو لم يكن معنياً بشكل مباشر بالحرب، يعرف أنّ الأوراق المطروحة للتفاوض يتمّ تعديلها باستمرار تبعاً لوقائع الميدان، لذلك سوف نصل في وقت قريب جداً إلى تسليم العدو بشروط المقاومة التي سيأتي ردّها على الورقة الأميركية ـ «الإسرائيلية» منسجماً تماماً مع ما قاله الرئيس نبيه بري بأن لا راية بيضاء على الإطلاق، بل انتصار مؤزّر يحققه رجال نصرالله في الميدان بإذن الله…

*بعد كتابة هذا المقال أمس، تبلغنا الخبر الصادم باستشهاد الحبيب الغالي مسؤول العلاقات الإعلامية الحاج محمد عفيف، ومعه ثلة من أفراد فريقه في وحدة العلاقات الإعلامية، وكلهم أحبّاء وأصدقاء…
هو نال ما تمنّى والتحق برفيق العمر والجهاد سماحة شهيدنا الأسمى والأغلى السيد حسن نصرالله والقادة الشهداء من رعيل المؤسّسين، والحاج محمد واحد منهم.
وإذ نعزي أنفسَنا وزملاءنا والعائلة، نؤكد للحاج الشهيد أننا سنكمل الطريق ولن يثنينا تهديد أو وعيد، ولعلّ عنوان المقال يعبّر عن ذلك خير تعبير «لا راية بيضاء»، بل شعلة نضال ومقاومة مستمرة حتى النصر بإذن الله…

Related Articles

Back to top button