محاولة لاغتيال جبهة المقاومة الإعلامية
ناصر قنديل
– بالرغم من محاولات كيان الاحتلال ربط استهداف الحاج محمد عفيف مرة بعملية قيسارية التي استهدف بها رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو والقول إن الإعلان عنها والتهديد بمثلها ينتهي بقتل نتنياهو هو بلاغ عسكري وليس عملاً إعلامياً، او ما لحق بذلك من كلام عن أدوار عسكرية لعفيف في إدارة جبهات القتال وإعطاء أوامر بعمليات استهداف في عمق الكيان، بقي اغتيال مسؤول العلاقات الإعلامية في حزب الله محاولة لاغتيال الجبهة الإعلاميّة للمقاومة.
– لم يكن لدى المقاومة جبهة إعلاميّة ذات طابع مؤسسي منظم، بل كان لديها الحاج محمد عفيف، وعلاقات محمد عفيف، هذا المثقف الهادئ المثابر الجاد المتزن المتواضع اللبق، المؤثر في قرار الحزب في كيفية التعامل مع المؤسسات الإعلامية والإعلاميين، وقد نجح بإقامة شبكة ضخمة من الصداقات والحوارات مع الإعلاميين ومؤسساتهم التي تتفق مع الحزب في موقفه وموقعه والتي تختلف معه بنسب متفاوتة أو تلك التي تخاصمه وصولاً الى العداء، حيث تقف علاقات عفيف عند الخط الأحمر، وكما كان يحترم حق الاختلاف والخصومة ويعتبر الحوار أداة إدارة هذه الخلافات، كان يلقى الاحترام في أوساط الإعلاميين اللبنانيين والعرب والأجانب، وكان في ظروف الحروب والأزمات والأنشطة التي يكون لحزب الله دور رئيسي فيها، جواز مرور الإعلاميين لنيل التسهيلات والاحترام، وكان ملجأ الإعلاميين في كل شكوى أو مراجعة بثقة انحيازه المؤكد إلى جانب الإعلاميين وصون كرامتهم.
– طوال عمر المقاومة كان الحاج محمد عفيف مطبخها الإعلاميّ، وقد تشارك المهمة مع الذين تصدّروا موقع القرار القيادي في المقاومة، فأشرف على العمل الإعلامي لتجمّع علماء جبل عامل مع الشيخ راغب حرب منذ العام 1982، ثم مع الأمين العام السيد عباس الموسوي الذي كان عفيف صاحب حظوة عنده، ولاحقاً وخلال اثنتين وثلاثين سنة، صار المقرّب إلى حد الأخوة والصداقة مع الأمين العام السيد حسن نصرالله، شريكاً في صياغة الخطاب الإعلاميّ وعاملاً على تسويقه، وقد حاز بسبب أخلاقه وروحه الحوارية وإيمانه بالخصوصيّات اللبنانية وحرصه على مراعاتها، ومثابرته على التواصل مع مَن يقعون تحت تسمية “الآخر” حتى إذا وقعت خصومة معهم، مستخدماً في صناعة حضوره المميز إضافة لأخلاقه، نباهة سياسية وذكاء حاداً ومتابعة دؤوبة لما يكتب وما يصدر من كتب وإلمام بالتحليلات والقراءات السياسية والاستراتيجية لصراعات المنطقة والسياسات الأميركية والإسرائيلية.
– بعد اغتيال الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله وقبل أن تستردّ البنية الحزبية حضورها وتعلن انتخاب أمين عام جديد، بدّد حضور عفيف كل انطباع بارتباك الحزب، فملأ الفراغ بحضور لافت عبر مجموعة مؤتمرات صحافية اتّسمت بشجاعة نادرة أقرب للاستشهادية، قدّم خلالها قراءة للمشهد السياسي والعسكري ساهم في استجماع الحزب لقواه، وإعادة ربط بعض مفاصله، واستنهض الأصدقاء والمؤيدين، وطمأن البيئة المساندة، مستنداً إلى حقيقة أن ما يجري على الجبهة من ثبات ميداني وانتظام في نيران الصواريخ، يشكل عملاً جباراً يستحق أن يلقى ما يوازيه في السياسة والإعلام وينقل رسالته إلى موائد السياسة وصالوناتها ومنابر الإعلام ومنصات الرأي العام.
– اغتيال الحاج محمد عفيف هو محاولة اغتيال الجبهة الإعلامية للمقاومة التي حققت انتصارات باهرة على إعلام الاحتلال، ونجحت بإظهار الفشل العسكري للاحتلال، وإظهار متانة وصلابة المقاومة ومنظوماتها، ووصلت الرسائل إلى داخل الكيان تشتغل على اليأس من جدوى الحرب، ورسخت ثقة البيئة الداعمة للمقاومة بقدرة مقاومتها على الصمود والثبات وصولاً للتفوق في الميدان، بما يستحق التضحيات التي قدمها الناس من أملاكهم وأرواح ذويهم، وصارت نجاحات الجبهة الإعلامية تعادل نجاحات الجبهة العسكرية، وصار تحقيق إصابة مؤذية يتوقف على اغتيال الحاج محمد عفيف الذي كان هو عملياً هذه الجبهة الإعلامية.
– مع استشهاد الحاج محمد عفيف خسرت الجبهة الإعلامية للمقاومة رئيس أركان فذ يصعب تعويضه، بما يشبه حجم خسارة حزب الله والمقاومة على المستوى القياديّ الاستراتيجيّ باستشهاد السيد نصرالله، وما يعادل خسارة محور المقاومة عسكرياً مع استشهاد الحاج قاسم سليماني، حيث نصف المكانة والأرباح والدور للموقع والنصف الثاني للشخص، لكن استشهاد محمد عفيف أشعر المئات من الإعلاميين الذين عرفوه عن قرب بمختلف مشاربهم وخياراتهم أنهم خسروا صديقاً شخصياً لا يُعوَّض.