عودة النازحين حتمية…
} علي بدر الدين
من حق اللبنانيين النازحين من مدنهم وقراهم وبيوتهم منذ أكثر من سنة في المرحلة الأولى من النزوح، أو الذين نزحوا في المرحلة الثانية منذ ما يقارب الشهرين، أن يتمسكوا ولو بخيط رفيع من الأمل، أو يتعلَّقوا بقشَّة ربما تنقذهم من الغرق في بحر النزوح ومعاناته القاسية جداً، وقد بدأ يلوح أمامهم ويقترب منهم ويداهمهم، بل يقيم معهم في يقظتهم ونومهم، وبات في جلساتهم الطبق المفضَّل على «موائدهم» المتواضعة رغم مرارته العلقمية، وقد حوَّل أحلامهم إلى كوابيس مزعجة وضاغطة ومخيفة، تقضُّ مضاجعهم وتُفسِد حياتهم وتُنغِّص معيشتهم و»إقامتهم» المؤقتة في اللاّمكان وخارج الزمان.
من حقِّ النازحين أن يحلموا بالعودة قريباً وفي أسرع وقت للخلاص من قسوة النزوح وذلِّه وألَمه الذي لم يعُد لأحدٍ طاقة ولا قدرة على تحمُّله، رغم مكابرة البعض وإبداء البعض الآخر عدم اكتراثه والتجلبُب بالصبر و»طول البال» وانتظار الفرج الذي لا أفق له حتى الآن، رغم كلّ أحاديث وتسريبات وأجواء التفاؤل، والتي غطّى دخانها الأبيض على ما عداها، عن قرب موعد وقف إطلاق النار على وقع مواصلة العدو «الإسرائيلي» إجرامه وإرتكابه المجازر وتدميره للحجر وإحراقه الشجر.
نعم، لهم الحقُّ بالعودة، ولكن عليهم ألاّ يصدّقوا ما يتمّ نشره في العديد من وسائل الإعلام، ولا ما ينطُق به «أهل الحلّ والربط والقرار» من السياسيين والمسؤولين في الداخل والخارج، لأنّ «السياسة فنُّ الكذب» ولا يمكن التعويل عليها، ولأنّ ما يتمّ طرحه من «أوراق» قابلة للحرق في أيّ وقت، وهي ليست الآن سوى أفكار ومقترحات يتمُّ عرضها على الأفرقاء ومن خلفهم، وقد تلقى القبول من هذا الفريق أو الاعتراض من ذاك الفريق، وتحتاج إلى ردود متبادلة يلزمها بعض الوقت، ثم إلى اتصالات واجتماعات وزيارات مكوكية قبل وضعها على نار هادئة ومملِّة حتى تنضج «طبخة» التسوية المنتظرة، لأنّ من يملكون القرار من «الكبار» ليسوا على عجلة من أمرهم، الشعوب ومعاناتها ليسوا من أولوياتهم. المهم أن تتحقّق مصالحهم ومن بعدهم الطوفان حتى لو لم يبق أحدٌ على قيد الحياة.
ما حصل حتى الآن هو وضع «وتَد حلّ» وفق مصالح قوى الهيمنة على العالم وربطه بخيط وهمي حتى يُقطَع ولا يُرى بسهولة وفق ما يريد مَن يُمسكه.
هذا الكلام هو مجرد رأي وليس تشاؤماً ولا انسداداً للأمل المُصطنَع أقلّه في هذه المرحلة، لأنّ التفاؤل الحقيقي له مقوّماته ومعطياته ومؤشراته الظاهرة والمٌعلنَة، وهي لغاية اليوم غير متوفرة بشكل واضح.
لا ينقص اللبنانيين والنازحين منهم بشكل خاص مزيداً من الإحباط واليأس وانعدام الأمل، لأنّ المسألة ليست «حزّورة» عن التشاؤم والتفاؤل ولا عن الرغبات، لأنّ المطلوب في هذه المرحلة الصعبة الدامية وفي ظلّ استمرار الوحشية والهمجية «الإسرائيلية»، أن نحتكم إلى قليلٍ من الواقعية في نظرتنا إلى الأمور وفي مقاربتنا لما يتعرّض له لبنان من حرب إبادة، وأن نعرف أنّ قرار العودة من دونها ليس بيدنا، أنه للأسف من خارج الحدود. وعلى الجميع أن يتكاتفوا ويتماسكوا و»يحملوا» بعضهم بعضاً حتى لا يواصل العدو الصهيوني تماديه وتحقيق خططه ومشاريعه الجهنمية.
ثقوا أنّ العودة إلى الديار آتية وأكيدة وحتمية ولكن… بإنتظار نضوج «طبخة التسوية» التي لن تكون حكماً على حساب لبنان وسيادته وحقه.
ثقوا برجال الله في الميدان.