حكومة متراخية في زمن متطلّب
بشارة مرهج*
الحكومة على جاري عادتها تتوقع أن تعود الحركة الاقتصادية الى الحياة بقوّتها الذاتية وفقاً لنظرية بائسة مفادها أنّ الاقتصاد قادر على تصحيح نفسه بنفسه دونما حاجة الى إجراءات تصحيحية أو خطوات إصلاحية من جانب الحكومة. ومن هنا ترك الأمور على غاربها والامتناع عن اتخاذ أيّ خطوة بناءة في ميدان المصارف أو أيّ ميدان آخر. وإنْ عزمت الحكومة تحت ضغط الحاجة ومطالبة الرأي العام والخبراء باتخاذ خطوات إصلاحية فإنّ مجلس النواب أو الجمعيات والغرف الاقتصادية كفيلة بوأد الموضوع، كما جرى بالنسبة لهيكلة القطاع المصرفي أو الضمان وسوى ذلك من قوانين مالية ـ Capital Control ـ والسرية المصرفية – الأملاك البحرية والنهرية والبلدية – والضرائب والرسوم.
ومن خلال هذه النظرية البائسة تتخلى الحكومة، ومعها البرلمان بالطبع، عن مسؤولياتها الى القطاع الخاص أي الى الاحتكارات المهيأة دائماً لإدارة الاقتصاد الوطني، أو تملّكه، وفقاً لمصالحها الذاتية المتنامية، حيث تكون الغلبة دائماً للقطاع المالي التجاري مقابل إلحاق القطاعات الأخرى بقاطرته.
وعندما تنشب أزمات لأسباب خارجية أو داخلية تعمل الاحتكارات على الاستفادة منها لزيادة ثرواتها، كما جرى مع أزمة المصارف وعمليات دعم الأسعار والمنصات المشبوهة كمنصة صيرفة ومنصة الهندسات المالية التي لا يعرف أحد حتى الآن مقدارها وكلفتها على الخزينة والمواطن سوى رياض سلامة، الذي لم ينطق بما يعرف، ولم يُستنطق بما يخفي في سياق المحاولات الجارية، التي ترعاها الحكومة والطبقة الحاكمة، لطمس الحقائق وبلبلة التحقيق وتمكين السارقين والمختلسين والمتواطئين من الإفلات من العقاب.
وإذا كان القضاء اللبنانيّ قد وضع يده على سائر الملفات بمساعدة الجهات القضائية الأوروبية التي سبقته في التحقيقات، فإنّه اليوم يسير ببطء شديد في ممارسة مهامه لاسترجاع أموال ضخمة محتجَزة في أوروبا لصالح لبنان على الرغم من أنّ الخزينة، في الظرف الحالي الذي يجوع فيه النازحون، بأمسّ الحاجة الى هذه الأموال وبأمسّ الحاجة الى إظهار عزمها على استرداد كلّ ما لها وكلّ ما للمواطن من ودائع سرقها المؤتمنون عليها. إذ يعرف الجميع أنه ما أن تنجح السلطات في استرجاع ما أخذه رياض سلامة ومعاونوه، بغير وجه حق، حتى تنهار شبكة الشرّ والاختلاس ويبدأ الجميع في المراجعة لدفع ما يترتب عليهم من أموال سبق أن راكموها بحكم الفساد أو الاختلاس أو التهرّب الضرائبي أو سواها من الوسائل غير القانونية.
إنّ المحنة التي يمرّ بها لبنان، يُضاف اليها الحصار الاقتصادي الأميركي وأدواته الصهيونية، لا يجوز أن تستخدم للتغطية على الفساد وأصحابه وإنما يجب أن تكون حافزاً لكلّ المخلصين، في مراتب الدولة أو خارجها لتفعيل الحركة وتحسين الأداء وتنفيذ القوانين لإنقاذ ما يجب إنقاذه والاستجابة لحاجات الاقتصاد الوطني وتلبية مطالب المواطنين، خاصة النازحين منهم الذين يرتجفون من البرد والجوع بينما ينشغل حكامهم في نثر الوعود الكاذبة والتقاط الصور التي ستدينهم في المستقبل، اذا لم يعملوا فعلاً على تسلم المساعدات بقدسية وتوزيعها بشفافية ومعالجة حالات الطوارئ من جيوبهم المنتفخة.
*نائب ووزير سابق