أجندة ترامب بعد النجاح الكاسح… تجاه المنطقة العربية والشرق أوسطية
د. جمال زهران*
الأمر الذي كان مفاجئاً لجميع المحللين، الذين كانوا بأغلبيتهم، يتوقعون نجاح وفوز كامالا هاريس، وغالبية الغالبية كانت تتوقع أيضاً دخول الدولة الأميركية في خضمّ نزاعات وصراعات واحتمالات الحرب الأهلية، بعد أن تعلن بعض الولايات التي يتمتع فيها الحزب الجمهوري بالغالبية العظمى، انفصالها أو استقلالها، يما يؤدي إلى تفكك الولايات المتحدة الأميركية، مثلما حدث في الاتحاد السوفياتي في الفترة من مارس 1985م (تولي غورباتشوف الحكم) – ديسمبر 1991م (تاريخ إعلان تفكك الاتحاد السوفياتي). وكان يستند هؤلاء «العرافون»، أكثر من «المحللين»، إلى أنّ الدولة العميقة الأميركية، لن تسمح لترامب أن ينجح، وأنّ هاريس هي المرشّحة لهذه الدولة، وهو ما قد يحفظ هدوء واستقرار هذه الدولة العظمى، والحفاظ عليها، حتى يتمّ التخلص من الظاهرة الـ «ترامبية».
إلا أنّ المتابع الدقيق لمجمل ظاهرة الانتخابات الأميركية – وقد تابعتها وشاركت فيها بالحضور لبعض المؤتمرات في عدة ولايات أميركية أثناء عملي كأستاذ زائر ببعض الجامعات هناك منذ عام 1995م حتى 2001م – وقد صدقت توقعاتي منذ ذلك الحين، بالرئيس الأقرب للنجاح، ونجح فعلاً، يعرف أنّ هاريس كانت فرصها وحظوظها في النجاح كبيرة، بينما التحليل الدقيق على المستويين الكلي والجزئي لظاهرة الانتخابات واتجاهات الناخبين، يمكن أن يستخلص أنّ فكرة أو إمكانية نجاح سيدة لحكم أميركا – رمز القوة – غير مقبولة في الوقت الحاضر، ولم يحدث ذلك على مدار التاريخ الأميركي منذ تأسيس الولايات المتحدة في القرن الثامن عشر، أيّ ما يقرب من (250) سنة. وقد أفرزت معركة آخر انتخابين، 2016، 2024م، ضمن ثلاث معارك، فشل وصول هيلاري كلينتون، وأمام ترامب الجمهوري، وفشل هاريس، وأمام ترامب مرة أخرى، ليتمّ سحق الفكرة من جانب الديموقراطيين، على يد الجمهوريين. والتجربتان، على يد ترامب الجمهوري الذي يتسم بالعنف والقوة، في صراعه خلال ثلاث مرات انتخابيّة.
كما أنّ الملاحظة الثانية من واقع التجارب في المعارك الانتخابية الأميركية، أنّ الحزب الديموقراطي عادة، لا ينجح المرشح الرئيس، سوى مرة واحدة، على عكس الرئيس الجمهوري الذي يظلّ مرتين. إلا أن الأربعين سنة الأخيرة، شهدت استثناءات على هذا الجانب أو ذاك. فنجد الرئيس بوش الأب، يستمر لمدة واحدة، رغم إنجازاته العديدة آنذاك ويرسب في انتخابات 1992م، وكذلك ترامب، يرسب في انتخابات 2020م. بينما الحزب الديموقراطي نجح بمرشحه بيل كلينتون، لمدتين متتاليتين (1992 – 2000م)، ثم جاء بعده بوش الابن الجمهوري لمدتين متتاليتين 2001 – 2008م، وأعقبه المرشح الديموقراطي (أوباما) الذي استمر لمدتين متتاليتين، (2009 – 2016م). ثم جاء ترامب الجمهوري مدة واحدة، وعاد مرة أخرى (2025 – 2028م).
فمن يدرك طبيعة الانتخابات الأميركية بصورة كلية، وتفصيلية يدرك ذلك، ويعرف كيف يتوقع نتيجة المعركة استناداً إلى ذلك.
أما المؤشر الثالث للتوقع، فهو استطلاعات الرأي، والتي بدأت في أميركا، في عشرينيات القرن العشرين، أي منذ مئة عام، وخلاصته أنه قد تأتي نتائجه متوافقة مع النتيجة الفعلية، وأحياناً، لا تأتي متوافقة، وهي مؤشر احتياطي، يكشف عن عوامل عديدة تستخدمه وتوظفه قوى المال في الحزبين الجمهوري والديموقراطي.
وقد انقلبت استطلاعات الرأي، في الأسبوعين الأخيرين، لصالح ترامب، بعد أن كانت على مدار أشهر لصالح هاريس! وهو ما يُسهم في تعزيز بنية العملية الانتخابية، التي أشرت إلى بعضها، وهو الحادث في تحليل الانتخابات الأميركية.
وفي إطار ذلك، فإنني قد توقعت نجاح ترامب في هذه المعركة، ومقالي الأخير في «البناء» خير شاهد، واعتبرت ذلك هو المفاجأة. ومثلما توقعت خسارته عام 2000م، وتوقعت نجاحه عام 2016م.
ولكن يبقى السؤال، بعد أن نجح ترامب والجمهوريون بهذه الصورة الخيالية الكبيرة، في منصب الرئاسة، وأغلبية مجلس النواب، وأغلبية مجلس الشيوخ، ماذا سيقدّم هذا الرئيس ترامب؟؟ وما هي سياساته المقبلة؟ وكيف نتوقعها؟
فلا شك في أنّ نجاح ترامب الساحق، وحزبه الجمهوري، في مواجهة المرشحة الديموقراطية وحزبها (هاريس)، يمكن أن يقود، إما إلى حالة طغيان شديدة وغرور يصل إلى حدّ التشدّد اللامتناهي، مما ينعكس على مخرجات السياسة الأميركية تجاه العالم بجغرافيته السياسية، أو أن يقود إلى حالة إيجابية عالية، تعكس رومانسية كبيرة في الأداء والمخرجات وصياغة السياسات، على خلفية التصريحات الأولية قبل الانتخابات الرئاسية، وأثناءها أو بعدها، بأنّ الحرب لا بدّ لها أن تتوقف، سواء في أوروبا (أوكرانيا)، أو في المنطقة العربية والشرق أوسطية، وفي القلب منها القضية الفلسطينية والحرب الصهيو/ أميركية على غزة ولبنان، حسبما أعلن ترامب بنفسه، بأنه بعد أن يتولى بساعات، ستتوقف الحرب هنا وهناك. بل إنه سيسعى جاهاداً ألا تنشب حرب في جنوب شرق آسيا والبحر الصيني، على خلفية، أزمة تايوان، التي تصرّ الصين على عودتها إلى الدولة الأمّ، بينما تقف أميركا على الجانب الآخر، تريد أن تظلّ تايوان مستقلة، وترفض ضمّها أو انضمامها أو عودتها إلى الصين الأمّ.
إذن، نحن أمام احتمالين أو سيناريوين في أداء ترامب ومخرجاته السياسية إزاء العالم، وبعيداً عن الأداء الداخلي الذي يعني الشعب الأميركي، حيث أصبح للرأي العام دور كبير في التأثير على المعركة الأخيرة، على خلفية القضية الفلسطينية، وهو الأمر الذي يحدث للمرة الأولى، في تاريخ الانتخابات الأميركية، وطبيعة المنافسة بين الحزبين (الجمهوري والديموقراطي).
ويتوقف ما يمكن أن يحدث في الأسابيع المقبلة، وبعد تولي ترامب، مقاليد الرئاسة رسمياً في العشرين من يناير 2025م، على عدة معايير، منها فريق العمل المعاون للرئيس الأميركي، وتحليل توجهاتهم، سواء التركيبة الوزارية، أو الوظائف العديدة التي يملأها الجمهوريون، نتيجة هيمنة هؤلاء على مجلس الكونغرس (النواب/ الشيوخ)، أو المستشارون، وغير ذلك من معايير تتعلق بطريقة اتخاذ القرارات والبعد الشخصيّ للرئيس فيها.
الأرجح عندي، أنّ فريق العمل المعاون لترامب، يؤكد أن السياسات الخارجية لأميركا تجاه العالم، ستتجه إلى الأسوأ، وإلى أعمال القوة، باعتبارها آلية إدارة العلاقات الدولية، وعلى كافة المستويات. كما أنّ سيطرة اللوبي الصهيوني، بالمقارنة باللوبيات الأخرى، سيكون له الحسم في إدارة ترامب، في كلّ شيء. وبخصوص القضية الفلسطينية، والحرب الصهيونية الأميركية، على الشعب الفلسطيني واللبناني، قد تصل إلى تهدئة مؤقتة دون اتفاقات حاسمة ونهائيّة. حيث إنه لم يعُد مقبولاً استمرار الكيان الصهيوني، مع سقوط حلّ الدولتين وفقاً لإرادة النتن/ياهو المعلنة، وأنّ الآتي هو استمرار الحرب واستمرار المقاومة، وأنّ ترامب وفريقه، لن يتراجعوا عن الحدّ الأدنى لإدارة بايدن الديموقراطية، في دعم الكيان الصهيوني، الذي قدّم لهذا الكيان دعماً بلا حدود، وتشجيعاً له على استمرار الحرب حتى تحقيق الأهداف. وبالتالي فإنّ إدارة ترامب ستسعى إلى مضاعفة هذا الدعم ليبدو أمام اللوبي الصهيوني، أنه وإدارته، الداعم الأكبر والمساند بلا حدود للكيان الصهيوني أكبر من إدارة بايدن. وفي هذا فإنّ التوقع هو الأسوأ مما هو حادث الآن. ولكن ما يمكن أن يُقال، هو أنّ إدارة ترامب الثانية، لن تكون مثل الإدارة الأولى، وبالقول إنها إدارة جديدة (نيولوك)، ليست كسابقتها، والمؤكد من المؤشرات الأولى أنها ستكون الأشرس والأسوأ.
والرهان لا بدّ أن يكون على المقاومة، حيث إنها هي الخيار والحلّ، وبدونها لا تنتظروا أي حلول أميركية، سواء أكان (نيو ترامب)، أم (أولد ترامب)، فكلاهما سيكون ضدّ العرب وضدّ المسلمين، وضدّ القضية الفلسطينية، ومع الكيان الصهيوني/ الأميركي، كأداة استعمارية، ولن تسحقه سوى مقاومة كاملة يتصاعد أداؤها، على كافة ساحات محور المقاومة، وبقيادة الدولة الرمز وهي جمهورية إيران الإسلامية، ذلك هو تقديري، وغداً سنرى…
*أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية، جامعة قناة السويس، جمهورية مصر العربية