التفاؤل حقٌّ مشروع… ما بعد النزوح ليس كما كان قبله!
} علي بدر الدين
على وقع المشهد السياسي والديبلوسي الإقليمي والدولي المستجّد لوقف الحرب «الإسرائيلية» المتوحشة والهمجية على لبنان، والاتفاق على وقف لإطلاق النار أولاً، أنعش النازحون آمالهم بما يتمّ «تداوله» وتسريبه والحديث عنه، وما يُشاع عن أجواء تفاؤلية وإيجابية تُبشِّر بالخير لطالما انتظروا سماعها، على أمل ترجمتها قريباً من دون معوقات وعقَدٍ ومماطلة من العدو «الإسرائيلي» مدعوماً من الإدارة الإميركية والأمثلة كثيرة.
تلقّف النازحون خبر اقتراب موعد وقف إطلاق النار بأعلى درجات التفاؤل وهذا حقٌّ مشروع، لأنهم في واقعهم النزوحي المعاش هم الشريحة الأكثر تضرّراً وخسارة ومعاناة وذلاً وقلقاً على حاضرهم ومستقبلهم المجهول الذي يُكتَب لهم، وعلى بيوتهم وممتلكاتهم وأرزاقهم التي غادروها بفعل العدوان «الإسرائيلي» وصواريخ طائراته الغادرة والقاتلة والمدمّرة للحجر والحارقة للزرع والضرع والشجر .
لا غرابة في أن يكونوا أول المرحبّين والمهلّلين لأنهم «أول المستفيدين» من وقف الحرب عليهم والحؤول دون استمرار تهجيرهم وقتل وتدمير ما بقي من عائلاتهم وأهلهم وممتلكاتهم، خاصة أنّ العدو «الإسرائيلي» المجرم في حربه على لبنان كما في حربه على غزة أباد عائلات بكاملها ومحا قرىً عن الخريطة.
من مؤشرات استعجال العودة من دون انتظار الخواتيم للحراك السياسي الديبلوماسي القائم على قدم وساق، أنّ بعض أصحاب صفحات «الفايسبوك» بدأوا بوضع الخطط والخرائط وتقديم الإقتراحات (عن صدق وحسن نيّة) «لتنظيم» عودة النازحين بإنتظار تحديد موعد وقف إطلاق النار وإطلاق صافرة انطلاق قطار العودة المتوقَّعة المجهولة التوقيت لغاية الآن.
ولكن على هؤلاء وغيرهم من الذين يعملون للصالح العام ولتأمين مقومات العودة السريعة المريحة للنازحين العائدين إلى مدنهم وقراهم وديارهم، ألاّ يُبالغوا كثيراً بتكبير الحجر، وألّا يُفرطوا في التفاؤل الزائد، حتى «يصير الفول بالمكيول» وهو حتماً سيحصل عاجلاً أم آجلاً، ونحن نريد ونرغب ونأمل أن يحصل وقف إطلاق النار اليوم قبل الغد.
وعلى الجميع ألاّ ينسوا أنّ هناك نازحين عائدين والغصّة في حلوقهم والدمعة تُذرَفُ من عيونهم ويلفهم الحزن والفجيعة والسواد على فقدهم لفلذات أكبادهم ولأشقائهم ولأقربائهم وجيرانهم وأبناء بلدتهم وأصدقائهم ومعارفهم، ومنهم من بلغه أنّ صواريخ طائرات العدو «الإسرائيلي» دمّرت بيته، أو تضرَّر كلياً أو جزئياً ولم يعُد صالحاً للسكن، وهو قلق على عائلته وأهله لأنه قد لا يجد بيتاً يأوي إليه مؤقتاً حتى يُعاد بناؤه! وهناك من النازحين العائدين من فقد مصدر رزقه وقوت عياله ويبحث عن حلّ مؤقت حتى يعيد البناء والإنتاج ويؤمّن مصدر الدخل الذي يقيه وعائلته من الفقر والقلّة والجوع. وهناك من النازحين العائدين من حرقت قنابل العدو الصهيوني الفوسفورية «المحرّمة» دولياً مواسم زيتونه وزيته وتبغه وزرعه وضرعه وكلّ أشجار ومزروعات حقوله. وهناك تداعيات موجعة أخرى كثيرة منها المعلوم ومنها المستور…
لذا وجب على الجميع لأنهم في مركب واحد مواساة بعضهم بعضاً وتوفير كلّ أنواع ومقومات التضامن والتعاون والتكافل والمؤازرة لمحو أثار العدوان والنزوح، وإعادة الروح والحياة إلى مدننا وقرانا ومجتمعنا بأجواء من الإلفة والمحبة والتسامح والدعم، وهذا يستوجب الخروج من الذاتية والأنانية والمصالح الضيقة والخاصة والترفع والارتقاء إلى مستوى الشهادة والتضحيات.
عودة النازحين حاصلة ومؤكدة وإنْ قصُر النزوح أو طال و(نأمل ألاّ يطول)، لأنه ينتظرهم الكثير من العمل والتحديات والصعاب، ولكن لا بديل عن مضاعفة الجهود والكثير من الحب والتعاون من أجل النهوض من جديد. ولنعلم نحن معشر النازحين العائدين أنّ ما بعد النزوح ليس كما كان قبله…