هل بدأ انهيار جيش الاحتلال؟
ناصر قنديل
– تشبه زيارة أموس هوكشتاين وما يدور على بساط التفاوض، بعد التراجع عن التلويح بإلغاء الزيارة احتجاجاً على عدم الرضا عن الملاحظات اللبنانية على مسودة الاتفاق، الزيارة المفاجئة لسفير الكيان في الأمم المتحدة لجناح رئيس وزراء قطر ووزير خارجيتها حمد بن جاسم في فندق إقامته في نيويورك، الذي روى حكاية تلك الزيارة المفاجئة، طالباً إليه الإسراع بوقف النار وقبول الشروط اللبنانية، بعد اتصال من رئيس حكومة الكيان ايهود أولمرت بممثل واشنطن في الأمم المتحدة جون بولتون، طلباً لوقف سريع للحرب، ولو بشروط لبنان التي يقبلها حزب الله، وكان السبب هو الميدان، حيث بدأ جيش الاحتلال يعاني هروب جنوده من جبهات القتال ومن تدمير دباباته وعدد قتلاه في ميادين الحرب، والعجز عن امتلاك تصور وفرصة لتغيير اتجاه الحرب. فهل يتكرّر الوضع بصيغة أشد كارثيّة هذه المرة؟
– أكثر من خمسين يوماً على بدء العملية البرية بمرحلتيها الأولى والثانية، وأكثر من شهرين على بدء الحرب الشاملة على لبنان، ورغم كل الخسائر التي أصابت المقاومة وتلك التي أصابت لبنان، يبدو الشهر الأخير بداية خط بياني صاعد لصالح المقاومة، حيث السيطرة البرية للمقاومة بلا منازع، والسيطرة النارية تتعزّز كل يوم لصالح المقاومة، والقتل والتدمير من جانب جيش الاحتلال لا يفعلان شيئاً لجهة تغيير الموازين. فلا البيئة الحاضنة للمقاومة تضعف أو تتخلّى، ولا الدولة اللبنانية مستعدة للقبول بأي صيغة تنتهك السيادة ثمناً لوقف الحرب بمنح الاحتلال امتيازات أمنية من عيار الحركة الحرة في الأرض والمياه والأجواء اللبنانية، أما المقاومة فتتصرف كأن الحرب بدأت اليوم وأن أمامها الكثير لفعله. وآخر ما تحمله تقارير المقاومة من الميدان يقول بهروب سرايا كاملة من فرق النخبة من جبهات القتال، من الخيام إلى عيترون إلى شمع، وبين المستوطنين موجة عارمة من التذمر من الفشل العسكريّ وسقوط الوعود والآمال التي تمّ بناؤها على الحرب على لبنان، قبل أن تتحوّل إلى نار جهنم تتسع دائرتها وتحرق حيفا بعدما أحرقت كريات شمونة وهي وصلت بنيرانها أول أمس إلى قلب تل أبيب.
– دفع الجبهة الداخلية والجيش في الكيان إلى اليأس من جدوى الحرب هدف رسمته المقاومة لقتالها، ويبدو أنه يتحقق، وأنه وحده يفسّر هذا التهالك الأميركي الذي لا يحدث إلا عندما يكون الإسرائيلي في حال الكارثة، وفي حال القوة والصعود على الضفة الإسرائيلية يأتي الأميركي بهدف إملاء الشروط وعندما لا يجد استجابة مناسبة يمشي سريعاً ولا يعود إلا إذا نضجت ظروف جني الأرباح، أما في حالة الانكسار والضعف على الضفة الإسرائيلية فيأتي الأميركي ليسوّق دوره كوسيط حريص على وقف الحرب ويسعى لتحقيق ما يمكن دسّه من مكاسب للاحتلال بين السطور، لكن للحصول على وقف الحرب بأي ثمن.
– لا أحد يعلم تفاصيل ما جرى بين رئيس مجلس النواب نبيه برّي والمبعوث الأميركي أموس هوكشتاين، ولا طبيعة التفاصيل التي يتولى نقاشها معاونو الرئيس برّي مع هوكشتاين، لكن الأكيد أن تفاؤل الرئيس بري والمبعوث الأميركي معاً، يقول بأن هناك تقدماً هاماً على مسار التفاوض، يستطيع المبعوث الأميركي الحسم بشأنه قبل زيارته لكيان الاحتلال، ليس لأن واشنطن بإدارتها الكسيحة والصهيونية أو برئيسها المنتخب في وارد الضغط على قادة الكيان لوقف الحرب، والشعور بالمونة هنا هو تفويض بالتوصل لحل مهما كان الثمن وتحصيل أقصى ما يمكن، وبالتأكيد أيضاً فإن الرئيس بري لن يقبل ما يمسّ ثوابت معلومة تتصل بالسيادة والمقاومة، وهو الذي قاد الانتفاضة بوجه اتفاق 17 أيار قبل 40 سنة، وفيه مطالب هي نفسها تتكرّر اليوم، لكن حينذاك مع سطوة عسكرية للاحتلال على أبواب العاصمة، وسطوة أميركية داخلية، وسطوة أميركية إسرائيلية على الدولة اللبنانية، وضعف لا يُقاس بقوة اليوم في حال المقاومة. وما لم يقبله بري يومها لن يقبل بمثله اليوم، وهو الذي انتزع للمقاومة نصرها السياسيّ عام 2006 في ظروف كانت فيها أضعف وكانت كلفة الصمود أعلى، وحال الحكومة لا تقارَن بالحاضر.
– عملاً بمعادلة الرئيس بري “لا تقول فول ليصير بالمكيول”، ننتظر لفحص ما إذا كان الاحتلال قد سلّم بالانسحاب من الأراضي اللبنانية المحتلة، ووقف الانتهاكات للأجواء اللبنانية، وهي مكاسب أمر واقع فرضها الاحتلال لـ 18 عاماً معطلاً تنفيذ القرار 1701. ومن ضمن نتائج التعطيل كانت تضحية الكيان باللحظة التي تتيح له المطالبة بانسحاب التشكيلات النظامية للمقاومة وسلاحها الثقيل من جنوب الليطاني، لأن الاحتلال يعتبر عن حق أن البقاء يومياً في الأجواء اللبنانية، واحتلال النقاط الاستراتيجية مثل مزارع شبعا، شرطا العودة إلى الحرب في يوم مقبل ولو بعد سنوات، وهي بذلك أهم من صورة إعلامية لانسحاب تشكيلات المقاومة وسلاحها الثقيل، وهو يعلم أن الأمر لم يعُد كما كان عام 2006، حيث صواريخ المقاومة تطال عمق الكيان من وراء نهر العاصي وليس من وراء نهر الليطاني فقط، فهل قرّر الاحتلال اعتبار هذه آخر حروبه على لبنان؟
– إذا حدث ما يبدو أنه قيد التداول للحدوث فهذا يعني انتصاراً كبيراً وتاريخياً للمقاومة، لأنه لا يعني فقط تحصيل مكاسب وطنية للبنان، بل أيضاً إغلاق الباب على حروب الاحتلال، وفوق ذلك فتح الباب لحوار وطنيّ حول استراتيجية للدفاع الوطني تهرّب منها خصوم المقاومة في الداخل والخارج لأن شرط البحث بتخلّصهم من سلاح المقاومة هو تسليح الجيش بما يردع جيش الاحتلال وأوله شبكات دفاع جويّ فعّالة. يعتقد الأميركي أن السماح بها أشدّ خطراً على أمن الكيان من بقاء سلاح المقاومة، لأن تسليح الجيش لا رجوع عنه إذا حدث مهما تغيّرت الظروف، بينما سلاح المقاومة يمكن أن تتغيّر الظروف وتسمح بحرب عليه أو تأتي معادلات إقليمية تقوم بتقييده، لكن الأهم هو أنه عندما يكون السبب بكل ما يحدث هو انهيار جيش الاحتلال، فهذا يعني أن الحلّ في غزة ليس بعيداً، فالجيش عندما ينهار لا يخرج من حرب ليشنّ حرباً أخرى، وهو يعلم أن تحديات غزة أشدّ إيلاماً من تحديات حرب لبنان.