أولى

هل تريد تل أبيب التوصل إلى وقف إطلاق نار؟

 

‬ سعادة مصطفى أرشيد*

 

تجاوزت حرب تشرين الثانية (طوفان الأقصى) حاجز الـ 400 يوم والقتال سجال. ومن الطبيعي أن أسلحة المقاومة الفلسطينية في غزة قد تعرّضت لاستنفاد كبير بسبب الحصار المفروض على غزة من قبل الشقيق الأكبر، ولكن القليل الذي بقي منها لا زال قادراً على إدامة الحرب ومواصلة استنزاف العدو في هذه الحرب غير المتناظرة. قد يكون (الإسرائيلي) قد استطاع تحقيق وكسب بعض النقاط التكتيكيّة المهمة التي ادعى أنها نقاط ومكاسب استراتيجية، إن في غزة وإن في لبنان، كان أهمها وأكثرها إيلاماً اغتيال أمين عام حزب الله واستشهاد رئيس مكتب حماس السياسي، وإذا كان الشهيد السنوار قد استشهد في معركة مباشرة وكانت شهادته مصادفة وضربة حظ غير متوقعة (للإسرائيلي) الذي كان يشيع أن الشهيد مختبئ تحت الأرض ويتخذ من الأسرى (الإسرائيليين) درعاً بشرية، إلا أن استشهاد الشيخ حسن نصر الله كان بموجب معلومات، وأياً كان فإن المقاومة اللبنانية أثبتت أنها قادرة على معالجة الاختراق الأمني وقادرة على تعبئة الفراغ برغم الألم والأيام العشرة الصعبة التي أعقبت الاستشهاد والتي تحدّث عنها الشيخ نعيم قاسم في خطابه مساء أمس أكدت بالدليل الملموس أن حزب الله كان قادراً على الاستمرار في غياب قائده التاريخي وتعبئة الفراغ الحاصل باستشهاد عدد من القادة أيضاً. وهذا ما يقوله الميدان فقط فتصاعدت ضربات المقاومة اللبنانية ووصلت إلى قلب الكيان في تل أبيب. وهي بذلك تقول إن ليس (للإسرائيلي) فقط القدرة على التفاوض تحت النار وإنما نملك هذه القدرة أيضاً.
أعقب استشهاد أمين عام حزب الله نشاط زائد للأميركان وعرب الأميركان في محاولة للوصول إلى اتفاق يطلقون عليه اسم اليوم التالي لما بعد استشهاد الشيخ حسن نصر الله أو اليوم التالي لما بعد الحرب. وأشيع في الأجواء أن المفاوضات بين الموفد الأميركي – الإسرائيلي هوكشتاين ورئيس مجلس النواب اللبناني تسير باتجاه الوصول الى اتفاق، ولكن الإشارات الأخرى كانت تذهب باتجاه آخر. فنتنياهو وفريقه معنيون بالاستمرار بالحرب حتى تحقق أهدافها غير المحددة بالحقيقة، لذلك فهم يتقدّمون بمطالب لا يمكن للمقاومة اللبنانية أو للدولة اللبنانية أن تقبل بها فما هي إلا استنساخ لاتفاق أوسلو سيئ السمعة والصيت في الضفة الغربية، حيث تملك “إسرائيل” الحق بالدخول إلى أي مكان والضرب حيث تشاء ووقت تشاء وتجعل من الدولة اللبنانية عميلاً فرعياً وظيفته قمع شعبه وقتله وسجنه، واستنساخ لتجربة دويلة سعد حداد وأنطوان لحد في الجنوب اللبناني وصولاً إلى نهر الأولي. وهذا يتطلب سحق المقاومة اللبنانية لا بل وسحق الإرادة اللبنانية حتى تلك التي تفصلها عن المقاومة مسافة في السياسة.
مساء أمس، قدّم خطاب أمين عام حزب الله الجديد الإجابة على ما يحمله هوكشتاين الذي كان في طريقه من بيروت إلى تل أبيب فأكد استمرارية المعركة ورفض الهزيمة والذلة والتفريط بالسيادة وبما يؤكد أن حزب الله والمقاومة اللبنانية لا زالا يسيران على النهج ذاته فتل أبيب مقابل بيروت ومعادلة الشعب والجيش والمقاومة هي المعادلة الثابتة، إنه النهج الذي تركه مَن سار في الركب الأميركي الإسرائيلي وثبت عليه من قرّر أن يعيش بكرامة.
بعد قرابة الساعة من إنهاء الشيخ نعيم قاسم خطابه كان الفيتو الأميركي في مجلس الأمن مقابل 14 صوتاً ليبطل مشروع قرار في مجلس الأمن بوقف فوريّ للحرب تقدّمت به 10 دول غير دائمة العضوية في المجلس، الأمر الذي يجب فهمه على أن مَن يقتل في غزة ولبنان والضفة الغربية وتدمّر هو الولايات المتحدة بشكل مباشر، وما “إسرائيل” إلا هراوتها وبندقيتها.
تدرك المقاومة اللبنانية ولا ريب ومعها اللبنانيون الشرفاء أن المطلوب الإسرائيلي والغربي العربي يتجاوز حتى ما يريده نتنياهو وصولاً إلى إعادة تشكيل لبنان وخلق معادلة تقسيم طائفي وسياسي جديد، وتريد إعادة إنتاج سلطة عميلة لها في غزة، ولا يمكن لها أن تنجح بوجود المقاومة.

*سياسي فلسطيني مقيم في الكفير ـ جنين ـ فلسطين المحتلة

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى