مقالات وآراء

جنوب سورية كما يريدونه في الإعلام…!

 

‬ جمال محسن العفلق

 

مع انطلاق العدوان الصهيوني على لبنان وتسارع العمليات العسكرية وانتهاج قطعان الصهيونية مبدأ الأرض المحروقة ازداد شغل عملاء الكيان على المحطات الناطقة بالعربية للترويج لحرب الكيان الكبرى وترجمة ما يقوله مجرم الحرب نتنياهو على أنه هو ملك الكيان المزعوم وأنّ الخارطة لدولة الكيان هي تلك التي يضعها مرتزقته على كتفهم كشعار للمرحلة المقبلة، فأقحم اسم الجنوب السوري في المعركة على أنه جزء من جبهة إسناد متوقعة سوف تستقبل قطعان العدوان بالورود وتستقبلهم في البيوت.
والجنوب السوري الذي يلاصق الحدود الأردنية لتنتهي تلك الحدود عند مثلث التنف مع الحدود السورية العراقية الأردنية حيث تستقرّ قوات الاحتلال الأميركي لدعم قوة يُقال إنها انفصالية وهي عماد الدعم للغزو الصهيوني فيتبادر لأذهان البعض أنّ هذه المنطقة التي تضمّ الجبل والسهل هي خاصرة رخوة يمكن إخضاعها دون قيد أو شرط ولا تحتاج الى جهد عسكري يذكر، مستندين إلى أنّ سهل حوران وهو بالتقسيم الإداري محافظة درعا السورية والتي انطلقت منها أعمال المظاهرات الأولى مع بداية عام 2011 وأنّ جلّ سكانها معادين للدولة السورية، وعلى المقلب الآخر هناك جبل العرب وعاصمته السويداء تسكنها أقلية من الموحدين الدروز وهم كذلك يمكن استمالتهم من خلال بث الرسائل التي تحمل بطياتها فكرة إنشاء دويلة محمية من المجتمع الدولي، ويساعد في ذلك رسائل آتية من فلسطين المحتلة لأبناء الطائفة نفسها والذين يعملون مع الاحتلال الصهيوني على فكرة الحزام الدرزي وهو ما يجعل الأمر أسهل على المخططين للمشروع.
هكذا هي الصورة التي يرسمها الإعلام ويدّعي أنها وثائق مسرّبة وهي قائمة على دراسات قامت بها مراكز مهمتها العمل ليل نهار على أن يعلق في الأذهان أنّ ما يقولونه هو الحقيقة، والواقع أنها محاولات إعلامية تريد زرع هذا المفهوم باللاوعي حتى إذا بدأ العمل به يكون «أمراً طبيعياً» وواقعاً لا يمكن معارضته، ولكن ماذا تقول الحقيقة على الأرض؟
لو قرّرتَ التجوّل في الجنوب السوري وزرتَ بيوت حوران الملاصقة للقنيطرة والجولان السوري المحتلّ من آخر نقطة مروراً بتلك القرى الريفية متجهاً الى الشرق ستلتقي بأناس من أصول عربية حقيقية وتجد فيهم البساطة والكرم ودماثة الخلق متعلّمين ويدركون تماماً من هو عدوهم، ولا يخفون مواقفهم السياسية ولكنهم لا ينتمون بأيّ شكل من الأشكال للمشروع الصهيوني، ومن يحمل هذه الأفكار لا يمكنه المجاهرة بها أمام أهل بلدته وهذا ليس خوفاً إنما قناعات يتحدث بها وجهاء حوران وشيوخها لأنهم يعلمون معنى الانتماء للوطن وما يُشاع عنهم هو عملية انتقائية معقده يقوم بها الإعلام المعادي لتصويرها على أنها رأي الأكثرية. وإذا ما وصلت الى قرى السويداء الملاصقة تماماً لقرى حوران ستجد عند أهل جبل العرب وهذه التسمية التي يحبونها وقريبة الى قلبهم أكثر من أيّ تسمية ضيقة أخرى يتداولها الإعلام المعادي مثل عبارة جبل الدروز، وهم لا يخفون هذا الانتماء لمذهبهم ولا يخجلون منه، ولكن يشعرون بالانتماء أكثر لتسمية جبل العرب تلك التسمية التي أطلقها المؤرّخ اللبناني (عجاج نويهض) في خطابة في وادي السرحان أثناء وداع عطوفة القائد العام للثورة السورية الكبرى سلطان باشا الأطرش حيث قال «أنتم عائدون الى جبل الدروز لا بل الى جبل العرب» وهو ما أكد عليه حينها القائد العام للثورة وقال هي التسمية الحقيقة وكلّ ما سواها غير مقبول.
فعند هؤلاء ستجد ما شاهدته في سهل حوران مع اختلاف اللهجة لا الأفكار أو المبادئ، فسكان الجنوب السوري متجذرون في أرضهم لا يعرفون غيرها حتى وانْ غابوا عنها لعقود…
وللجنوب قصص كثيرة ففيه كان الراهب بحيرى الذي أخذ من بصرى الشام صومعة له، وفي الجنوب مرت طلائع قوات الثورة العربية الكبرى وحمل فرسان جبل العرب الراية العربية ووصلوا الى دمشق قبل غيرهم، ومن الجنوب انطلقت رصاصة الثورة السورية الكبرى التي كان من أحد أسبابها قيام الفرنسيين باعتقال المجاهد أدهم خنجر من دار سلطان الأطرش أثناء غيابه عنها. فأهل الجنوب السوري ليسوا وليدي اللحظة الحالية إنما هم استمرار لتاريخ طويل يحتاج لمجلدات حتى تحتويه، وهذا التاريخ بحدّ ذاته هو محركهم لأنك ما زلتَ تجد عند أهل الجنوب من يتمسك بسيرة أجداده ولا يقبل ان يلوّثها بالعمالة أو بالخضوع لطغيان المستعمرين، وما الصورة التي يحاول بعض الإعلاميين وإنْ كانوا من الجنوب تقديمها للمواطن العربي إلا صورة باهتة تمثل بعض الاختراقات للكيان الذي استغلّ حالة الحرب في سورية وجنّد بعض ضعاف النفوس وموّلهم من أجل التسويق له على أنه البديل، وأنّ قيام دويلات على أسس طائفيه أو قبلية هو الحلّ وفيه النجاة! وهو ما لا يقبله أهل الجنوب لأنهم يدركون حال ما يطلق عليهم عرب 48 في فلسطين المحتلة ويقرأون خطابات الكيان العنصرية بشكل جيد ولا يمكنهم أن يتخلوا تحت أيّ ظرف عن عروبتهم وانتمائهم المعروف منذ مئات السنين فهؤلاء القوم امتزج دمهم بتراب أرضهم ومفهومهم لشعار حماية العرض والأرض لا يمكن كسره بوعود تأتي من عواصم الغرب ولا يمكنهم الوثوق بقطعان الاحتلال الصهيوني.
فالإعلام الناطق بالعربية والخادم الأمين للكيان الصهيوني يدفع الكثير من أجل تقديم صورة هزيلة عن حقيقة أهل الجنوب السوري ويصف المنطقة على أنها الخاصرة الرخوة لسورية مستعيناً ببعض الأنماط المدرّبة على ذلك مستبقاً النتيجة التي يزعم أنها حتمية دون التطرق لمجريات الأحداث أو إنصاف لسكان المنطقة، وهذا ما يريده الإعلام المعادي معيد تجربة إسقاط بغداد إعلامياً قبل سقوطها عسكرياً وهو ما نشاهده اليوم في محاولات زرع هزيمة المقاومة في لبنان دون الكشف عن حقيقة المعارك وفشل قطعان الاحتلال الصهيوني في عملياتهم البرية ولكن لبعض الإعلاميين وأبواق الصهيونية دور ووظيفة لقلب الصورة وتزوير الحقيقة…

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى