مقالات وآراء

قرار محكمة الجنايات الدولية بين الواقع القانوني والتطبيق

‭}‬ د. عمر الحامد*

وأخيراً صدر قرار محكمة الجنايات الدولية بأوامر اعتقال لمجرمَي الحرب نتنياهو وغالانت، والذي جاء بعد تدقيق وتقديم البيّنات القانونية أمام محكمة الجنايات الدولية والتي ثبت من خلالها ارتكاب مجرمَي الحرب للابادة الجماعية في غزة.
أعرف شعور بعض الناس وانفعالاتهم تجاه القرار «يعني وشو قرار؟ وشو رح نستفيد منه والجرائم الصهيونية مستمرة بحق شعبنا الفلسطيني واللبناني، ولا زال المجرمان يمارسان حياتهما المعتادة»؟ للحقيقة أقول أنت لست بعيداً عن هذه الطروحات خاصة أنني أعاني مثل باقي أبناء شعبينا، لكن علينا ان ندرك الأمور التالية:
1 ـ انّ معاقبة المجرم على جرائمه ليست دائماً عدالة مطلقة، لأنّ الجرائم قد تكون أقسى وأوسع وأكثر إيلاماً من العقوبة وإنْ نفذت، لكننا نقول انّ المعاقبة الدولية على عملية الإبادة الجماعية والتهجير القسري واستهداف المدنيين بقرار سياسي والمعاقبة عليها من أعلى محكمة دولية مهمّ دولياً وينتج آثاراً
قانونية وسياسية واجتماعية وشعبية في وجه الكيان، أفلا ترى معي انّ موافقة هولندا وهي من أهمّ مراكز الصهيونية على تنفيذ القرار باعتقال النتن ياهو وغالانت، من الأهمية بمكان بحيث تؤثر اجتماعياً في آراء الشعب ويصبح المجرمان ملاحقين دولياً، تماماً كما لبس الصهاينة ثياب «الهولوكست» الألماني المزعوم ضدهم في الحرب العالمية الثانية والتي لا تزال قميص يوسف في العالم.
2 ـ يمكن قرار محكمة الجنايات الدولية المحاكم المحلية في ايّ دولة منتمية للمحكمة من السماح لأيّ مواطن من تلك الدول من إقامة دعاوى فرعية مستندة الى القرار، وهنا يمكن ان يستغلّ ذلك من قبل العرب المقيمين والمتجنّسين بجنسيات تلك الدول من تقديم هكذا قضايا وقد يلحق بها إضافة الى القرارات الجنائية مطالبات حقوقية بالتعويض ومحاسبة الجناة.
3 ـ في المستوى الاجتماعي يعتبر القرار مسخاً للكيان اللقيط الذي يدّعي الحضارة والديمقراطية في محيط «غوغائي» كما وصفه المجرم النتنياهو نفسه، وهل يصدقنّ أحد ذلك بعد صدور قرار بتجريمه من أعلى محكمة دولية ويعتبر القرار سابقة قانونية لمحكمة الجنايات الدولية وخاصة انّ مجرمي الكيان يعتبرون «انهم شعب الله المختار» وانّ العالم خلق لخدمتهم وطاعتهم وأنهم هم قادة كلّ العالم، مستندين الى بعض خزعبلات موضوعة في التوارة سفر التثنية الاصحاح رقم 20، وهذا يجيز لهم قتل البشر (إذا دخلتم فأعرضوا عليها الصلح فإن وافقت فيصبحون عبيداً لنا، وإذا رفضت فحاصروها حتى تستسلم وإلا فلا تتركوا منهم نسمة واحدة حتى من الشيوخ والأطفال والنساء).
4 ـ التغيّر اللافت للنظر في موقف الاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل الذي أكد أنّ القرار قانوني صادر عن محكمة دولية وازنة وليس قراراً سياسياً، وبالتالي وجب تطبيقه، كما أيّدته معظم دول العالم خلافاً للمواقف السابقة من ارتكاب المجازر، ولم يعترض عليه علناً إلا الولايات المتحدة الأميركية والأخبث دوليا بريطانيا التي صاغت الموافقة بالمواربة خشية من وقوعها في مخالفة القانون وباعتراضها فعلياً ولفظياً على القرار، وانضمّت المقررة الاممية لحقوق الإنسان الى ضرورة تنفيذ القرار واعتقال قادة الكيان.
5 ـ لقد قدّم المدعي لعام لمحكمة الجنايات الدولية لائحة اتهام محكمة ضدّ الكيان اللقيط مدعمة بالبيّنات والفيديوات والشهادات من كلّ المنظمات الدولية والأفراد ومنظمات الإغاثة الدولية والصليب الأحمر الدولي، وهذا تحرك جريء للعدالة الدولية وسابقة قانونية في تاريخ العدالة الدولية، وفي هذا إجماع عالمي سينعكس على الشعوب التي تدّعي الديموقراطية وستتصاعد موجة الاحتجاجات الدولية وتغيّر المزاج العام الشعبي ليتصاعد على شكل احتجاجات ومظاهرات واعتصامات تؤدّي حتماً الى تغيير نتائج الانتخابات المقبلة، وبالتالي التغيّر الفعلي في العالم ضدّ الصهاينة وانكشاف كذبهم وألاعيبهم الدولية.
6 ـ انّ قرار محكمة الجنايات الدولية غير قابل للتقادم «ايّ سقوط الحق بمرور الزمن» فلا بدّ من القبض على المجرمين وتوقيفهما وتسليمهما للمحكمة صاحبة الولاية القانونية، وهذا القرار قد يمنع الدول التي تزوّد الكيان بالسلاح من ذلك خشية تأثير القرار عليهم.
7 ـ بقي ان نشير الى انّ هذا القرار قابل للاستئناف قبل ان يصبح قراراً قضائياً باتاً، الا انّ ذلك مشروط بأنّ يتمّ تسليم القتلة للمحكمة المختصة وهما فقط وحصراً «كمتهمين ومجرمين» من يحق لهما الاستئناف امام المحكمة بصورة شخصية وليس عن طريق وكلائهم «محاميهم».
8 ـ لقد قدّم وكلاء الدفاع عن الكيان اللقيط دفوعاً واعتراضات على القرار في مرافعتهما والاستبسال لتخفيف حدة القرار او التملص منه في نقطتين:
ـ رفض قرار المحكمة لأنه ليس لها الولاية لمحكمة الكيان اللقيط كونه غير موقع على نظام المحكمة الدولية وذلك سنداً لاحكام المادة 91 من قانون المحكمة.
ـ والمادة 18 من ذات القانون، حيث انّ سلطة محمود عباس كما ادّعى محامو الكيان ليسوا دولة كاملة العضوية في الأمم المتحدة ولا يحقّ لها تقديم الدعوى ،
وقد تمّ رفض تلك الاعتراضات وسيصبح القرار قطعياً،
وأما المتسائلين عن تنفيذ القرار فنرى انّ النتائج الشكلية للقرار قد ترقى الى ما هو أبعد من الناحية الموضوعية وتنفيذ القرار فالنتائج هامة وآتية، وسنرى النتائج وإنْ تأخرت، هذه هي سمة القانون.
وحتماً سننتصر…

*محام وخبير ومحكم دولي ومؤلف

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى