لا للنقاش حول اتفاق وشيك
} ناصر قنديل
– السؤال الطبيعيّ لدى البحث في دخول أو عدم دخول أي نقاش عند البعض هو الفضول، والفضول ليس مذموماً، فأحياناً هناك فضول علمي، أو ممارسة حق فكريّ أقرب إلى التّرف عند غير المنتمين وغير الملتزمين بقضايا ومبادئ وأهداف. أما بالنسبة لصاحب القضيّة والمبدأ والهدف فالقياس هو النفع والضرر، ولدى التدقيق البسيط سوف نكتشف أن الدخول في النقاش بلا نفع وكله ضرر، لأن النقاش يجري على مضمون افتراضي لاتفاق افتراضي لا يعرف أحد عن تفاصيله بصورة مؤكدة شيئاً، وما يتم تداوله هو تسريبات يريد من سرّبها التحكم بالنقاش واتجاهاته، فيصبح الاشتراك بنقاش اتفاق هو مجرد فرضيّات مسرّبة غير مفيد إذا كان الهدف التصويب والتحذير والنصح، لأن مثل هذه الأهداف مشروطة بمناقشة نص حقيقيّ أصليّ، وهذا غير متاح؛ بينما الضرر مؤكّد لأن المحور الحاكم فيه سوف يكون موضوعه، هل في هذا الاتفاق تخلٍّ عن غزة، أم تنسيق مع مقاومتها، وقراءة مشتركة لشروط تضمن انتصار المقاومة في إحدى جبهات قتالها تمهيداً لانتصارها في الجبهة الأخرى، والصوت المرتفع سوف يكون لاتهام المقاومة في لبنان بالتخلي وانقسام جمهور محور المقاومة الموحّد وراء خياراتها، بين ساحاتها وسط توترات ومشاريع تقع مجدداً على خط تماس مذهبيّ خطير، علماً أن الأصوات المشكّكة بالمقاومة في لبنان تنتمي عموماً لمن لم يقدّموا شيئاً لغزة، لكنهم لا يمانعون من المتاجرة بمظلوميّتها إذا كان ذلك سبيلاً للنيل من المقاومة.
– المشاركة في النقاش تعني القبول بفكرة أن الاتفاق وشيك، وسط تساؤلات غير قليلة الأهمية، وغير قابلة للتجاهل، مثل احتمال أن يكون الهدف من كل الكلام عن الاتفاق الوشيك نقل الاهتمام في الرأي العام في البلاد العربية وداخل الكيان، من الوقوف أمام عظمة إنجازات المقاومة التاريخيّة يوم أمس، التي وضعت الكيان كله تحت النار وأثارت الذعر بين مستوطنيه، فكانت مدخلاً لحال احتفال بعظمة المقاومة ووحدة حولها، وتظهير حجم ما قامت به، ونشره وتداوله وتحليله واستخلاص العبر منه، وقبل أن يحدث ذلك تأتي التقارير المكثفة عن اتفاق وشيك تجهض هذا المناخ وتحلّ مكانه التساؤلات التي يتسلّل منها التشكيك وتقف بين سطورها الإساءة، بينما داخل الكيان يجري استبدال المناخ المذعور من حجم قوة المقاومة بمناخ نقاش وتداول بالاتفاق الوشيك، قبولاً ورفضاً، ويختفي الجدل الذي أطلقته صواريخ المقاومة وحجم عمليّاتها البرية حول الفشل والوهن والعجز في كل ما له صلة بجيش الاحتلال والشعور بفقدان الأمن الذي خيّم على الكيان أول أمس.
– المشاركة في النقاش تتمّ مع نص مسرّب يتحدّث في أحد بنوده عن مهلة ستين يوماً لانسحاب قوات الاحتلال إلى ما وراء الخط الأزرق، وهي مهلة انسحاب وحدات المقاومة النظاميّة ذاتها وأسلحتها الثقيلة، إلى ما وراء نهر الليطاني دون معرفة مصير المناطق المتنازع عليها مثل مزارع شبعا المنصوص عليها في القرار 1701 الذي يفترض أنه مرجعية حصرية للاتفاق، والقرار 1701 واضح بدعوته الى انسحاب فوري لقوات الاحتلال إلى ما وراء الخط الأزرق. وعندما تصبح مهلة الانسحاب ستين يوماً، هل يمكن للمقاومة القبول ببقاء الاحتلال في أرضها دون قتاله، ثم ماذا عن النازحين ومتى يمكنهم العودة؟ فهل سيبقى النازحون ممنوعين من العودة حتى تنتهي المهلة، أو سوف يُمنَع من يرغب منهم بالذهاب إلى قريته ومنزله ليتفقدهما بعد وقف النار؟ وهل هذه سيادة؟ ثم في القرار ورد إنشاء منطقة خالية من السلاح والمسلحين جنوب الليطاني في فقرات لاحقة لإنهاء الأعمال الحربية، التي تتضمن انسحاب الاحتلال إلى ما وراء الخط الأزرق ووقف انتهاك الأجواء والمياه بصفتهما أعمالاً عدائيّة، والفقرة التي ورد فيها إنشاء هذه المنطقة جنوب الليطاني تتصل بالتوازي والتزامن مع إنهاء وضع المناطق المتنازع عليها ومنها مزارع شبعا، انسجاماً مع مبدأ أن إنهاء الاحتلال يُنهي مبرر انتشار المقاومة كقوة نظاميّة، ومهلة الستين يوماً هنا للمقاومة والاحتلال إخلال بالقرار والتوازنات التي قام عليها، ولا نعلم إن كان التسريب صحيحاً، ولا نعلم كيف تعامل المفاوض اللبناني الذي أدار مفاوضات الـ 1701 وصاغ بعض نصوصه أو أضاف عليها ما يحفظ السيادة اللبنانيّة، مع قضايا سبق له وتعامل معها في مفاوضات الـ 1701، وفي ظروف أصعب حكومياً وعسكرياً؟
– ثقتنا بالمفاوض اللبنانيّ وهو دولة رئيس مجلس النواب نبيه بري مطلقة ولا تشوبها شائبة، وثقتنا بأن المقاومة تداولت مع الرئيس بري بكل التفاصيل وأنهما موحدان في الخيارات والقرارات، ولذلك لن نشترك في النقاش حول فرضيّة الاتفاق الوشيك، وعندما يتم الاتفاق ويعلن نناقش بالتأكيد، وإن وجدنا خللاً نشير إليه بكل صراحة ووضوح!