ارتقاء نوعي في وتيرة استهدافات المقاومة…
} رنا العفيف
نيران المقاومة تلتهم قواعد عديدة في تل أبيب، كيف كان هجوم حزب الله على كيان الاحتلال؟ وما الرسائل التي أراد إيصالها للقاصي والداني وتحديداً لأ «إسرائيل» وأميركا؟
وسط تكتم شديد مع فرض الرقابة العسكرية منع النشر ما تمّ استهدافه، ولكن ما أخفته أعظم بكثير فشعاع نيران المقاومة كان جلياً في فضح الخسائر، إذ تلتهم قواعد عديدة في تل أبيب وضواحيها، جراء صواريخ المقاومة التي أطلقتها بالأمس، وفشلت القبب الذكية والحديدية منها في اعتراضها، فكان المشهد في المجهر عينه في مستوطنات الشمال… كريات شمونة ونهاريا وغيرها وصولاً إلى حيفا وما بعدها تل أبيب. وكما قالت وسائل إعلام «إسرائيلية» فإنّ حزب الله فرض حزاماً نارياً هو الأكبر منذ بدء الحرب، وأحصت وسائل إعلام «إسرائيلية» سقوط أكثر من 350 مقذوف حربي (صواريخ ومُسيّرات) في ذلك اليوم الكارثي على «إسرائيل»، فيما تلاحقت بيانات المقاومة التي وصلت إلى رقم 51، وهو رقم قياسي منذ بدء الحرب، واستهدفت العديد من القواعد العسكرية الإسرائيلية من غليلوت حيث مقر الاستخبارات العسكرية (الوحدة 8200) إلى بلماخين القاعدة التابعة لسلاح الجو الذي يضمّ مراكز أبحاث عسكرية ومنظومة للدفاع الجوي الصاروخي وصولاً إلى قاعدة أسدود البحرية التي استُهدفت بسرب من المُسيّرات الإنقضاضية إلى مواقع عسكرية وقواعد أخرى في حيفا ونهاريا وصفد وصولاً إلى طبريا في الجولان المحتلّ، طبعاً أدت هذه الصواريخ والصليات إلى أضرار كبيرة في تل أبيب ومحيطها، لا سيما أنّ العدو فرض رقابة صارمة على المستشفيات وما سمح بنشره هو إصابة عدد من المستوطنين، ناهيك عن دخول أربعة ملايين إلى الملاجئ تحت الأرض، فكان المشهد المسيطر على الكيان هو حزام النيران التي اشتعلت في كل الأنحاء من الشمال إلى الجنوب.
طبعاً بحسب فهم طبيعة ما جرى فإننا أمام ارتقاء نوعي في وتيرة الاستهدافات من حيث المديات والإصابة بدقة بالكمّ والنوع والسردية العسكرية بمدلولاتها، وهنا نتحدث عن أكبر هجوم صاروخي لحزب الله منذ بدء العدوان على لبنان، والذي وصفته قناة كان العبرية بأنه حدث غير مسبوق، فيما تحدثت صحيفة «واشنطن بوست» عن وصول عدد كبير من الجنود الإسرائيليين إلى نقطة الانهيار، والأهمّ تحدثت عن الخسائر التي تصل إلى العشرات عدا عن حديثها عن الملايين من الإسرائيليين الذين كانو ينعمون بالأمن والأمان دخلوا الملاجئ، كلّ هذا نتيجة هذا الهجوم للمقاومة التي أثبتت واقعاً ميدانياً يدخل مجموعة غينيس عسكرياً برقم قياسي يُحسب له حساب استراتيجياً وعسكرياً وسياسياً، في مقابل ما اعتقده بنيامين نتنياهو عندما استجابت المقاومة لمطلب وقف إطلاق النار وفق القرار 1701، إذ اعتبرها فرصة ليضغط قدر الإمكان على المقاومة ظناً منه أنه يستطيع انتهاك سيادة لبنان تحت قصف بيروت العاصمة وارتكاب المزيد من جرائم القتل والتدمير السجادي، ليدفع المفاوض اللبناني إلى التنازلات، وليخرق تركيبة السياسة في لبنان، ولكن الفشل الأساسي الذي حققه نتنياهو على المستوى الاستراتيجي فاضح ولا يمكن أن يخفيه بعدما ظنّ بأنّ المقاومة لقمة سائغة، وبالتالي ما حصل بالأمس سجل ثلاث نقاط كبيرة أراد حزب الله من خلالها إيصال رسائل كبيرة تحت النار، مفادها للكيان الإسرائيلي إياك واللعب بالنار معنا حتى ولو استطعت أن تصل إلى بيروت، لن نرضخ أو نتنازل أو سنساوم، نحن أيضاً استطعنا أن نصل إلى عمق تل أبيب بعدد من الصواريخ وهي للمرة الأولى، وكنت تقول إنّ سلاح حزب الله وترسانته العسكرية انتهت، لتمرح وتسرح بعملياتك العسكرية هنا وهناك، كما كان يظن أو يعتقد نتنياهو بأنّ عملياته العسكرية ستجعل من بيئة المقاومة مسبحة لفك ارتباطها بغزة، ولكن تفاجئ بأن هذة البيئة متماسكة وصلبة ورأى عكس ما يريد، واستطاعت المقاومة أن تقول لنتنياهو إذا أردت الميدان فنحن أهل الميدان، فيما الرسالة الثانية كانت للأميركي الذي يدير المفاوضات الذي ظنّ أيضاً باستطاعته أن يعطي نتنياهو فرصة جديدة ليحقق مكاسب جديدة ليغطي على فشله في الداخل «الإسرائيلي» وفي الوقت نفسه يعطيه حق الأفضلية في المفاوضات، أما الرسالة الثالثة والمهمة وهي نوعاً ما ضمنية لبعض اللبنانيين المنوط بهم أو لنقل لبعض من في لبنان الذين راهنوا على فرصة الانقضاض على حزب الله على أنّ الحزب ضعف وانكسر واختفى وما إلى ذلك، بأنّ المقاومة بخير ما زالت قوية متمكنة صلبة متينة لا تشوبها شائبة ولا يثنيها قتل وتدمير واغتيالات، وبإمكانها القتال حتى إشعار آخر، والأهمّ في هذا السياق هو أنّ المقاومة تقول كلمتها بالصوت والصورة والكلمة بأنها تستطيع أن تتجاوز تل أبيب وأبعد من ذلك وصولاً إلى القواعد العسكرية والجوية والبحرية وأنها التزمت بمعادلات الصبر وتستطيع متى تشاء أن تخرق هذا الصمت وأن تؤدي وتواصل القتال بلا أسقف وبلا ضوابط كما أنّ المبادرة الآن في يديها وليست بيد نتنياهو كما يزعم البعض.
وبالتالي كان الردّ الصاروخي بمعنى خير الكلام ما قلّ ودلّ يا نتنياهو الذي أردت التفاوض بالنار، فإنّ نيران المقاومة ستلتهم أنحاء تل أبيب وما رأيته ليس إلا البداية في تموضع المعادلة الجديدة، وعليه لهذا الهجوم تأثير ومفاعيل ووقائع على «المجتمع الإسرائيلي» وعلى قيادات الكابينت وعلى المنظومة السياسية «الإسرائيلية» من خلال التمحّص في نشرات الأخبار على قنوات 11 و 12 و 13 العبرية، نجد سايكولوجية جديدة دخلت في «إسرائيل» وهي بكلّ كلمة تقولها نشرات الأخبار تحمل كلمة (الخوف) وهذا مؤشر جديد فيه تعبير مختلف لما قد يحصل ونسمع عنه في الأيام المقبلة وتحمل عناوين بارزة وأوّلها انهيار الفكرة الصهيونية، خاصة أنّ هناك العديد من المستوطنيين والسياسيين والقادة وكلّ من هو في تل أبيب يسأل نفسه سؤالاً لماذا نرسل أبناءنا للجيش؟ في ظل ذروة انقسام الداخل الذي يعاني من أزمات عديدة، وفي خضمّ هذه الأزمات التي يعيشها الكيان أتى الهجوم الصاروخي للمقاومة، إذ سيشكل نقطة تحوّل كبيرة، إذا ما ربطنا الأحداث ببعضها وفندنا بعضاً منها، فعلى سبيل المثال نتنياهو ظهر على شاشة التلفزة وألقى خطاباً يصل إلى قرابة التسع دقائق فقط، إذ يدلّ على مؤشر ما يحدث في الداخل الإسرائيلي كمجتمع وكحكومة وما إلى هنالك من منظومات سياسية وعسكرية، فكانت الملاحظة الجديرة بالذكر عن عمق الأزمة التي يعيشها الكيان وهي أزمة ليست عابرة وإنما أبعد من ذلك بكثير، أيّ هي عبارة عن أزمة بين المستوى السياسي برئاسة نتنياهو نفسه وبين قيادة الجيش بما فيها أركان الجيش الإسرائيلي ورئيس الشاباك، وهناك استقالات لا يتمّ الإفصاح عنها لأسباب أمنية غامضة، وعلى هذا النحو يقول البعض لماذا نرسل أبناءنا للجيش إذا كان رئيس الحكومة لا يثق برئيس الأركان ولا قيادة الجيش العسكرية تثق بنتنياهو؟ وهذا كلام نتنياهو شخصياً قالها بالفم الملآن بأنه لا يثق بقيادته العسكرية، وبالتالي سيكون لهذا الهجوم الصاروخي تأثير كبير قد نشهده في الأيام أو الليالي أو الساعات، لا سيما أنّ نتنياهو أراد مفاوضات تحت النار، لتذكره المقاومة من جديد بأنّ شعاع نيرانها سيكون بلا حدود وأنها ستحرق أيّ محاولة لفرض شروط تمسّ بسيادة لبنان والرسائل كثيرة في الميدان وعليه أن ينتظر كلّ من يحاول شراء الوقت في بازار المفاوضات.