مقالات وآراء

بين وعد شهيد الأمة السيد حسن نصر الله ووعد بنيامين نتنياهو… الحقائق تتكلّم

 

 رنا العفيف

 

لقد حدّد شهيد الأمة سماحة السيد حسن نصر الله عنوان الانتصار بإحباط أهداف العدوان، وها نحن أمام إعلان الاتفاق على وقف إطلاق النار وإنهاء العدوان، لنعيد التذكير بالأهداف، كيف حقق لبنان والشعب اللبناني والمقاومة هذا الانتصار؟ وماذا عن وعد نتنياهو الذي قال إنه سيعيد المستوطنين إلى الشمال؟
نجح رهان اللبنانيين على المقاومين في الميدان الذين صمدوا في الأرض وصدّوا العدوان ووُئدت كلّ أهداف الحرب على أعتاب الخيام وبنت جبيل التي لها ذاكرة طيون النصر في حرب تموز، وشمع وطيرحرفا والبياضة، وفرضوا على الاحتلال الذهاب إلى اتفاق سياسي لوقف النار، مرفوعي الرأس مفتخرين بإنجازاتهم محققين النصر، بينما خرج نتنياهو في كلمة مسجلة له مطأطأ الرأس، لم يتلقّ الأسئلة ولم يظهر على جمهوره كي لا تبدو عليه ملامح الذلّ والوهن والهزيمة، وتحدث عن تبرير الاتفاق وقبوله بوقف إطلاق النار مع الإشارة لعدة ملاحظات هامة وجديرة بالذكر وهي حين خرج وتحدث مبرّراً الاتفاق لم يذكر كلمة النصر الذي كان يستعملها طيلة أشهر الحرب، أيّ منذ السابع من اكتوبر 2023 حتى الأمس القريب، وكان هذا لافتاً للانتباه بالنسبة للإعلام «الإسرائيلي»، الذي طرح السؤال نفسه لماذا لم يذكر نتنياهو ولم يأتِ على لسانه كلمة «النصر»، حينما يتحدث عن وقف إطلاق النار مع حزب الله، وبالتالي الأمر واضح وجلي، أيّ لو كان هنالك نصر لقالها بالفم الملأن وتشدّق بها دون أن يوقفه أحد، والشيء بالشيء يُذكر إذ بعد انتهاء خطابه كان هناك استطلاع للرأي وأكثر من خمسين بالمئة من «الإسرائيليين» يعتقدون أنّ المعركة انتهت دون انتصار أو حتى تحقيق مكاسب في هذه الحرب، وهذا كان غريباً بالنسبة لهم أن ينهي الحرب دون أن يقول كلمة النصر، ولكن الجمهور «الإسرائيلي» يقول كلمته لأول مرة بأنّ المعركة انتهت دون أن تحقق «إسرائيل» أيّ انتصار، عدا عما تداولته القنوات العبرية حول الاتفاق مع لبنان عن الهزيمة وإطاحة حزب الله بنتنياهو وسط تكتم شديد، بمعنى واضح وصريح أنّ المجتمع الإسرائيلي أصبح اليوم غير واثق بجنوده وجيشه الكبير الذي احتمى بالطائرات الأميركية والسلاح الأميركي، وطبعاً الذي منع هذا الانتصار هو القوة الضاربة المتجذرة في عمق الأرض اللبنانية والعقيدة المتسلحة بالروح الاستشهادية دفاعاً عن لبنان وإسناداً لغزة وهي المقاومة في لبنان.
طبعاً هذا المشهد الثائر كان ينتظره العالم بأسره، مشهد نتنياهو وشخصيته الخارجة عن المألوف بالصورة النمطية الهزيلة الهشة رغم بذل الجهود النارية والدعم الدولي وكلّ الغارات المدمرة المتوحشة والهستيرية التي حاول أن يطمس واقع اللحظة الأخيرة، بهدف مسح كلّ الحقائق التي ثبّتتها المقاومة ورسختها على الأرض على مدى شهور من المواجهة الكبرى، فكانت كلمات نتنياهو المختارة بعناية وإطلالته التي هربت من الأسئلة، خارجة عما قرر قوله، واليوم العالم كله يحكم على حقيقة المشهد الذي انتهى إليه نتنياهو الذي أراد الحرب بعناوين الحسم والقطع وقلب الموازين بهدف وضع شروط الإذلال وبالتالي إعلان النصر الجازم…
لكن كلّ المشهدية والوقائع الميدانية تؤكد هزيمة نتنياهو، وخير شاهد مدينة الخيام التي وقفت على مدى شهرين وأكثر تصدّ الهجوم البري وتجسد هزيمة العدو.
هو انتصار قائم بوجود المقاومين حتى آخر اللحظات في قلب مدينة الخيام، حيث تراجع الكيان عن شمع باتجاه مثلث طيرحرفا، إضافة لهزيمة الدبابات في البياضة، كما أنه مشهد آخر من مشاهد الهزيمة الكبرى التاريخية، ليكون هناك أيضاً شاهد تاريخي ميداني في هذا الإطار وهي بنت جبيل التي تحمل معاني الهزيمة للعدو في حرب تموز الذي بقي الكيان خائفاً مرتبكاً على أبوابها دون أن يتجرّأ على الدخول إليها، وبالتالي ما حصل من مشهدية ميدانية مقابلة لهذا الانتصار في غضون ساعات على الهجوم الصاروخي ويعدّ هو الأكبر منذ العدوان على لبنان، وعانت ما عانته تل أبيب مع أربع ملايين إسرائيلي دخلوا الملاجئ…
هذه جميعها نقاط قوة استجمعها شهيد الأمة السيد حسن نصر الله ورسم معالم هذا النصر أمام المقاومين فكانوا جنده الأوفياء حتى الرمق الأخير بتثبيت معادلة هذا النصر الذي يجسّد انتصار تموز ـ آب 2006 وتحرير 25 أيار 2000، وغيرها من الانتصارات التي وثقها حزب الله بخطاباته، منذ الانتصار الأول عام 1985 عندما انسحب جيش الاحتلال «الإسرائيلي» من جبل لبنان وقبله من العاصمة بيروت، ثم من البقاع الغربي وراشيا وصيدا والنبطية وجزين وصولاً إلى الشريط الحدودي حيث كان الانتصار الكبير للبنان،
لذلك من الواجب والأمانة التاريخية أن نصلح التعبير ونقول «التحرير» الثالث الذي وعد به سيد القول والفعل، وها نحن على أعتاب أبوابه بالرغم من كلّ الضغوط التي يتعرّض لها لبنان والمقاومة إلا أنّ حزب الله ماض في ضمير لبنان لحمايته من كلّ أشكال وأنواع الخطر المحدق به.
بين وعد شهيد الأمة السيد نصر الله رضوان الله عليه، ووعد بنيامين نتنياهو حقائق أكدتها وقائع الميدان، أيّ حين أطلق نتنياهو عدوانه على لبنان قال إنّ الهدف إعادة مستوطني الشمال بالقوة، فكان وعد السيد نصر الله بأنهم لن يعودوا إلا بوقف الحرب فمن الذي صدق ووعد ونفذ؟ لا سيما أنّ قادة الاحتلال قالوا إنّ حربهم على لبنان هي لإعادة المستوطنين بالقوة والقضاء على حزب الله ومسح حضوره السياسي في لبنان لإقامة شرق أوسط جديد يحلم به نتنياهو، فكانت النتيجة النهائية موقعة بإسم المقاومة وقدراتها وصمودها وسلاحها ورجالها الحاضرين في الميدان برؤوس مرفوعة وهامات شامخة.
وفي المقابل حصد نتنياهو ومن معه صفراً مكعباً، ولم تصدق وعودهم بعودة مستوطني الشمال، بل زادت أعدادهم النازحين بعشرات الآلاف، وبالتالي صدق وعد السيد حسن نصر الله وأوْفت المقاومة بعهدها ومسيرتها فكانوا بحق جند الله وجند السيد حسن نصر الله الذين دخلوا هذا الصراع وهم يراهنون على الجهد والجهاد والتضحيات والوقت والاستنزاف وتراكم النقاط لننتصر وقد انتصرنا… مع الإشارة إلى أهمية هذه الجبهة التي هي أهم عناصر الضغط على «الإسرائيلي» في هذه المعركة، كما أنها إحدى أهمّ جبهات الاستنزاف إلى جانب الجبهات الأخرى، إذ أنها جبهة ضاغطة وبقوة وهي من أهمّ أوراق التفاوض التي تمتلكها المقاومة التي حققت وقف العدوان، لهذا السبب حاول العدو الإسرائيلي إطفاءها منذ اليوم الأول من المعركة واستخدم الكثير من محاولات الضغط والتهويل، وفي السياق عينه النصر قائم والمقاومة بخير موجودة على أرض الجنوب، وهذا مؤشر كبير لمعالم الانتصار وما فعلته وأنجزته المقاومة يتكلم عما هو آتٍ، أما بالنسبة لمشهد «إسرائيل» فهو ينضح بالفشل والعجز والهزيمة تلو الأخرى…

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى