مقالات وآراء

انتصار المقاومة وفشل نتن ياهو في تغيير وجه «الشرق الأوسط»

 

 د. عدنان نجيب الدين

 

للمرة الثانية يفشل زعماء الكيان الصهيوني وقادة جيشه في تحقيق أطماعهم في لبنان والمنطقة من خلال محاولة تنفيذ مشروعهم الذي سمّوه «الشرق الأوسط الجديد». وقد كانت المرة الأولى عام 2006 عندما شنّت «إسرائيل» بقيادة رئيس وزرائها السابق إيهود أولمرت عدوان تموز إثر نجاح المقاومة في أسر جنديين لجيش الاحتلال وقتل ثمانية من جنوده للضغط على العدو لإطلاق سراح الأسرى اللبنانيين في سجونه. وجاءت وزيرة خارجية الولايات المتحدة الأميركية كوندوليزا رايس وأعلنت أنّ هذه الحرب العدوانية على لبنان هدفها تحقيق مشروع الشرق الأوسط الجديد الذي يؤمّن للعدو قضم قسم من لبنان في المرحلة الأولى ثم احتلاله بالكامل لاحقاً وصولاً إلى احتلال أجزاء من الدول المجاورة وهيمنة «إسرائيل» على المنطقة بأسرها. وفشل الجيش الصهيوني وفشل معه هذا المشروع.
وفي السابع من تشرين الأول عام 2023 قامت المقاومة الفلسطينية بعملية «طوفان الاقصى» لأسر عدد من الجنود الصهاينة لمبادلتهم بالأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال. وفعلاً تمكنت المقاومة من أسر مئات الجنود والمستوطنين كما قتلت مئات آخرين. ووجد نتن ياهو الفرصة مناسبة لتنفيذ خطته المعدة مسبقاً بالهجوم على قطاع غزة والقيام بأكبر مجزرة وحرب إبادة في التاريخ المعاصر ضدّ الشعب الفلسطيني المحتلة أرضه. وما زال العدو مستمراً في جرائمه ضدّ أهل غزة حتى اليوم.
وأعلن نتن ياهو انه سيقوم بتغيير وجه الشرق الأوسط تنفيذاً للخطة السابقة ولكن بأساليب جديدة استخدم فيها ليس فقط ترسانته من الأسلحة الحديثة بل وآخر ما توصل اليه العلم والتكنولوجيا كالذكاء الاصطناعي، معتمداً أيضاً على إمدادات الولايات المتحدة والدول الغربية له بكلّ ما يلزمه من أسلحة تدميرية واستخبارية لتحقيف هذا المشروع الجهنمي الخطير على المنطقة.
وكان لا بدّ للمقاومة اللبنانية من مساندة الشعب الفلسطيني والمقاومين في غزة.
واستمرت عملية الإسناد إلى أن قام العدو الصهيوني بعدوان واسع خبيث ومجرم على لبنان وعلى قيادات المقاومة وكوادرها المدنيين من خلال عمليات في تفجير أجهزة الاتصال وقتل وجرح الآلاف في دقيقة واحدة، وهذه العملية تُعتبر جريمة حرب بحدّ ذاتها، كما قام باغتيال عدد من القيادات على رأسهم الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله.
وبدأ جيشه بشنّ أوسع هجوم على لبنان وعلى مقاومته من خلال القصف التدمير للقرى الجنوبية وصولاً إلى البقاع والعاصمة بيروت وضاحيتها الجنوبية.
وهنا لا بدّ أن نسجل بفخر واعتزاز أنّ المقاومة الباسلة في لبنان تصدّت له بالرغم مما اعتراها في أيام القتال الأولى من جراح وارتباك نتيجة الضربة التي تلقتها من خلال اغتيال بعض قياداتها في جريمة تفجير أجهزة الاتصالات.
لملمت المقاومة جراحها وأعادت تنظيم صفوفها وراحت تلقن العدو دروساً في المواجهة والتصدي لمحاولات جيشه احتلال القرى الأمامية، وفشلت خططه، بالرغم من التدمير المجرم والمجازر التي ارتكبها بحق الأطفال والنساء والمدنيين، في احتلال جنوب نهر الليطاني كما سبق وأعلن نيته في ذلك.
وكان أبطال المقاومة يتصيّدون دبابات العدو وآلياته وقتل وجرح أطقمها أثناء تقدّمهم مما أربك العدو وجعله لا يستطيع التقدّم في الأراضي اللبنانية.
كما راح المقاومون الشجعان يمطرون القواعد العسكرية للعدو بالصواريخ في الشمال الفلسطيني المحتلّ وفي مختلف المدن وصولاً إلى حيفا وتل أبيب، ووصلت مُسيّرات المقاومة إلى غرفة نوم نتن ياهو.
لقد استطاعت المقاومة تكبيد العدو خسائر فادحة في الجنود والضباط وفي الأعتدة، كما استطاعت إحداث تدمير هائل في قواعده العسكرية.
أمام هول ما حدث للعدو، وأمام انهيار معنويات جيشه ورفض الآلاف من جنود الاحتياط تنفيذ طلبات قيادات الجيش بالالتحاق بجيش الاحتلال، لم يكن أمام نتن ياهو المتغطرس من النزول عن الشجرة وطلب وقف إطلاق النار من الوسيط الصهيوـ أميركي هوكشتاين وإيقاف العمليات العسكرية على الجبهة اللبنانية. وطبعاُ، وافقت المقاومة على وقف إطلاق النار لأنّ مطلبها من الأساس كان وقف العدوان على لبنان.
وهكذا، يمكن القول إنّ المقاومة انتصرت، وانتصر معها الشعب اللبناني، وبدأ النازحون من قراهم ومدنهم بالعودة إليها مرفوعي الرؤوس شامخي القامات. وجميع النازحين أو المهجّرين قسراً من ديارهم أعربوا عن شكرهم وامتنانهم لكلّ من ساعدهم واستضافهم واحتضنهم من مختلف فئات الشعب اللبناني الأصيل الذي برهن عن حسّ مرتفع بالمسؤولية الوطنية والشعور الإنساني، لا سيما أنّ بعض أبناء النازحين هم الذين تصدّوا للعدو ومنعه من التعدي على أرضه حفاظاً على سيادة لبنان وكرامة شعبه.
وأخيراً نختم بالقول إنّ هذه المقاومة الأبية المعطاءة والمضحية، قد أنقذت لبنان للمرة الثانية والثالثة من مخططات العدو في احتلال قسم من لبنان والتعدّي على سيادته والهيمنة عليه ومصادرة قراره الوطني الحر.
وهكذا، لم يستطع العدو الصهيوني القضاء على المقاومة ولا استطاع نحطيمها وسحقها كما كان يرغب، ولا استطاع المسّ بقدراتها ولا أوْهن عزيمة عناصرها الشرفاء الأبطال، كما أنه لم يتمكّن من عزلها وإحباط معنويات شعبها الذي التفّ حولها واحتضنها وصبر وتحمّل معها من أجل أن يبقى لبنان حراً عزيزاً ومستقبلاً.
مبروك للبنان، مبروك أولاً وأخيراً للمقاومة الشريفة المنتصرة دائما بإذن الله. وليسقط نتن ياهو وليسقط معه مشروعه في الهيمنة إلذي سماه «الشرق الأوسط الجديد».
الرحمة للشهداء الأبرار، والشفاء للجرحى والنصر دائماً وابداً للبنان وفلسطين ولكلّ شعوبنا الحرة في المنطقة وفي العالم.

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى