رسالة إلى سماحة السيد الشهيد حسن نصر الله
د. اوس نزار درويش
في هذا المقال سأبعث برسالة مفتوحة في هذه الصحيفة الكبيرة التي أحبها وأحترمها كثيراً لأنها تمثل خط الإعلام الصادق الشريف الى روح السيد الشهيد البطل حسن نصر الله والروح كما هو معروف في كلّ الأديان لا تموت بل هي تنتقل من مكان الى مكان آخر عند موت الإنسان .
سماحة السيد
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
لقد أثر كثيراً غيابك عنا وما زالت الى الآن قلوبنا تعتصر ألماً من جراء غيابك، وأنا على المستوى الشخصي لم أشعر أنني كُسرت بشكل حقيقي منذ وفاة والدي إلا عندما سمعت نبأ استشهادك، وهذا شي طبيعي فأنت رجل عظيم أسطوري قلّ نظيره.
كيف لا وأنت كسرت كلّ الطائفية والاختلافات الفكرية العقائدية بين جميع الناس بمحبّتهم لك، فأنت الذي أحبّك السني الشريف مثلما أحبّك الشيعي الشريف وأحبّك العلوي الشريف مثلما أحبّك الدرزي الشريف وأحبّك العلماني الشريف مثلما أحبّك الإسلامي الشريف والمسيحي الشريف، وأحبّك الملحد وأحبّك اللاديني… فكلّ الشرفاء الصادقين على اختلاف أديانهم وتوجهاتهم وأفكارهم أجمعوا على محبّتك حتى من كثرة تعلق الناس بك فالناس لا تصدّق بتاتاً تصديق فكرة أنك استشهدت.
سماحة السيد
لقد عشت طوال عمرك رجلاً صادقاً مقاوماً شريفاً تقول وتفعل ما تقول حتى وصل الأمر بقادة العدو للتصريح عدة مرات والقول بأنّ حسن نصر الله أكثر رجل عربي يخيفنا ويرعبنا، وكان العدو ووسائل إعلامه ومراكز دراساته يستنفرون عندما تلقي خطاباً ويدرسون كلّ كلمة وكلّ حرف تقوله وبدقة كبيرة .
فأنت الرجل الصادق الأمين الذي قدّم ابنه البكر شهيداً في مواجهة العدو، وكنتَ تقول دائماً «إنّ ابني لا يختلف عن أيّ مقاتل في الحزب وواجبه بأن يقاتل العدو، والله سبحانه وتعالى كرّمه بالشهادة.
سماحة السيد
قمة البطولة والتضحية ما فعلته حضرتك بعد عملية طوفان الاقصى البطولية، ففي الثامن من اكتوبر أعلنت عن فتح جبهة الإسناد لغزة وبدء قصف المستوطنات الصهيونية في فلسطين المحتلة، ورفضت ان تنأى بنفسك واستمرّيت في إسناد غزة وقصف العدو سنة كاملة، وفي النهاية أيها البطل العظيم الذي مهما قلنا فيك لن نعطيك حقك، في النهاية قدّمت نفسك شهيداً كرمى لغزة وكرمى للقضية ورفضت ان تبقى متفرّجاً وغزة تُباد بينما الكثير من القادة العرب بقوا ساكتين وهم يشاهدون غزة وهي تباد وتدمّر لا بل أكثر من هذا بعض القادة العرب طلبوا من انطوني بلنكين وزير الخارجية الأميركي بأن يطلب من الكيان الصهيوني الإسراع في بالقضاء على كتائب القسام في غزة بحسب ما قاله الصحافي الأميركي المعروف بوب وودورد في كتابه «الحرب» الذي نشر مؤخراً.
سماحة السيد
لقد ظن العدو باستشهادك واستشهاد اخوانك ورفاقك القادة العظماء الآخرين كالشهيد السيد هاشم صفي الدين والشيخ الشهيد نبيل قاووق والشهيد ابراهيم عقيل والشهيد فؤاد شكر والشهيد محمد عفيف وغيرهم من الشهداء الأبرار، ظنوا بأنهم قضوا على المقاومة وانّ المقاومة انتهت لأنّ قادتها استشهدوا ليتفاجأ بعدها هؤلاء الحمقى بأنّ المقاومة لملمت أوراقها بسرعة وعادت مثل السابق وأقوى، وطبعاً هذا كله بفضلك لانك منذ تسلمك قيادة الحزب عام 1992 قمت بتمكين وتأسيس الحزب على أساس تنظيمي وفكري وعقائدي كبير، فالحزب يعمل وفقاً للعقلية المؤسّساتية ولا يرتكز على شخص واحد أو أشخاص مع عظمة الذين يستشهدون .
سماحة السيد
أنا كشخص سوري لا يمكنني بتاتاً أن أنسى وقوفك معنا في مواجهة الحرب الكونية الإرهابية التي شنت علينا في مطلع 2011، ففي الوقت الذي الذي أرسلتْ فيه الكثير من الدول الأوروبية والعربية المرتزقة والإرهابيين إلينا ودعموهم بالمال والسلاح. أتيت أنت ورجالك الأشداء ووقفتم معنا وقاتلتم مع الجيش العربي السوري حتى تمّ دحر هؤلاء الإرهابيين، وقلت وقتها كلمتك الكبيرة بأنني سأرسل مقاتلي الحزب للدفاع عن سورية ولو اضطر الأمر لأذهب بنفسي فسأذهب ولسخرية القدر نفس هؤلاء الارهابيين الذين حاربناهم الآن يقفون مع الصهيوني ويهللون له ويطلبون منه غزو سورية.
سماحة السيد
لقد وعدت في خطابك الأخير بأن لا يعود مستوطنو الشمال، والآن أكثر من هذا بل وصل التهجير واللجوء الى قلب المستوطنات في حيفا بفعل صواريخ المقاومة ونحن لا ننكر بتاتاً حجم الخسائر والضحايا من الشهداء والمدنيين والأطفال، وهذا أكثر شيء يتقنه العدو القتل والتدمير والإرهاب والاستقواء على المدنيين جراء السلاح الجوي المتطوّر الذي يتزودّ به من الولايات المتحدة الأميركية .
سماحة السيد
بالرغم من طائرات أف 35 التي يملكها العدو والتي تعدّ من أقوى أنواع الطائرات في العالم والتي يستخدمها للقتل والتدمير في لبنان، وبالرغم من حشده نخبة الفرق العسكرية لديه على جبهة لبنان، فإنه لم يتمكن من التقدّم بتاتاً في الجنوب وتكبّد خسائر فادحة لم يعترف الا بالقليل منها، فمنطقة الخيام المباركة وحدها أذّلت هذا العدو وجيشه…
سماحة السيد
معادلتك الاستراتيجية التي رفعتها مراراً قصف تل ابيب مقابل قصف بيروت ترجمت بالأمس فعلياً على أرض الواقع، فـ تل ابيب قُصفت بالصواريخ المباركة للمقاومة وبشكل كبير جداً والرعب يسيطر على المستوطنين في تل أبيب وحيفا وكلّ المستوطنات لدرجة تدفع الكثير من هؤلاء المستوطنين لترك فلسطين المحتلة والهجرة الى قبرص واليونان بالإضافة الى استنزافِ جيش العدو بشكلٍ كبير ورفضِ المستوطنين الالتحاق به وحالات الانتحار الكبيرة في صفوف جيش العدو حتى وصل الأمر بإسحاق بريك وهو جنرال متقاعد في جيش العدو بالتصريح لصحيفة «يديعوت أحرنوت» بأننا نتعرّض لخسائر فادحة واستنزاف كبير لم نتعرّض له سابقاً وأننا في طريقنا للانهيار، هذا كلام جنرالاتهم.
لقد رسّخت الأيام الأخيرة قوة المقاومة بضرب عمق الكيان الصهيوني وفرض حزام ناري من قبل المقاومة على كلّ المستوطنات في فلسطين المحتلة لدرجة دفعت الأميركي ان يفعل مبادرته لإيقاف إطلاق النار حتى ينقذ الصهيوني ولكن إيقاف إطلاق النار لن يكون إلا وفقاً لشروط المقاومة.
سماحة السيد
لقد قمت بتحرير الجنوب في عام 2000 بالمقاومة وبالسلاح وفي عام 2006 انتصرت على العدو في حرب تموز المجيدة وأفشلت مشروع الشرق الأوسط الجديد الذي بشرت به كونداليزا رايس وزيرة الخارجية الأميركية السابقة، والآن دماؤك الطاهرة ستفشل مشروعهم الجديد الذي دعا إليه نتنياهو في إعادة بناء شرق أوسط جديد، سيفشل هذا المشروع بانتصار المقاومة، أما نتنياهو سيكون مصيره مشابهاً لمصير سلفه إيهود أولمرت عندما هُزم في حرب 2006 في لبنان وفتحت عليه بعدها وثائق تحقيق «لجنة فينوغراد» عن أسباب الهزيمة وانتهى أمره في السجن، وهذا ما سيكون مصير النتن ياهو في القريب العاجل باذن الله.
سماحة السيد
لا يسعني أن أنهي رسالتي إليك إلا بالقول إنك ستبقى خالداً في نفوسنا وضمائرنا وعقولنا لأنّ الأشخاص العظماء يرحلون بأجسادهم لكن يبقون بأفكارهم وبطولاتهم وأعمالهم العظيمة ونعدك ونعاهدك بأننا سنبقى على طريق الشرفاء والأبطال طريق المقاومة والتضحية والعزة والكرامة حتى لو كلفنا هذا حياتنا وهذا ما تعلمناه منك يا سيدنا العظيم…