جرائم التعامل والتطبيع مع العدو «الإسرائيلي»
المحامي فؤاد مطر
يُعتبر الكيان «الإسرائيلي» عدواً للبنان بالمعنى القانوني، وأنّ أحكام القوانين اللبنانية تجرّم التعامل مع هذا الكيان على اعتبار أفعال التعامل جرائم تقترف ضدّ الوطن كرمز للسيادة.
وتُعتبر جميع صور وأشكال التعامل مع العدو “الإسرائيلي” هي أعمال غير مشروعة وتستحق أشدّ العقوبات وفق أحكام القوانين الواجبة التطبيق.
إنّ أيّ تحريض أو تشجيع على التعاون والتعامل مع العدو “الإسرائيلي” يُعتبر جرماً ولو لم يسعَ إلى تنفيذ ما عقد النية عليه وإنْ لم يهيّئ وسائل ارتكابه لهما.
وإذا كان الفاعل يستهدف معاونة العدو لتمكينه من فوز قواته يصبح الوصف الجرمي جناية لا يجوز التساهل فيها أو التخفيف من المسؤولية لأنّ الدافع إليها دنيء، لأنّ من تنعدم في نفوس مرتكبيها مشاعر الوطنية وشرف الانتماء لا يمكن النظر إليه بعين من الرحمة، ولأنها تثير النقمة والاشمئزاز لا يمكن التخفيف عنه بسبب انتهاكه حرمة روابط الولاء الوطني، وعلى هذا الأساس شدّد المشرّع صراحة في عقوبتها، من المنع من الحقوق المدنية وسحب الجنسية اللبنانية، وتصل إلى عقوبة الإعدام، وأنّ خطورتها جعلت الشارع اللبناني ينتزع هذه الجرائم من اختصاص القضاء الجزائي العادي، وأناط أمر الفصل فيها إلى المجلس العدلي في حالات معينة، أو إلى القضاء العسكري الاستثنائي في حالات أخرى، لأنها تمسّ في خطورتها الأمن القومي.
بل ويعاقب أيضاً في حال الامتناع عن التبليغ عن هذه الجرائم بالنظر إلى خطورتها وضرورة التعجيل في قمعها.
وإذا كان قانون العقوبات اللبناني قد أباح للقاضي أن يخفف من وطأة العقوبات، إلا أنّ ذلك لا ينطبق على ما يمسّ بأمن الدولة الخارجي، وانّ الجرائم التي تقترف ضدّ سيادة لبنان تدخل ضمن الجرائم الواقعة على أمن الدولة الخارجي المنصوص عنها في قانون العقوبات، من المادة 273 إلى المادة 300 منه، وهي تهدف إلى حماية لبنان ومقومات الدولة، وتعاقب بالأشغال الشاقة المؤبدة كلّ من أقدَم على أعمال العدوان، أو دسّ الدسائس، أو الاتصال بالعدو ومعاونته. ويعتبر القانون هذه الأفعال اعتداء على أمن الدولة سواء كان الفعل المؤلف للجريمة تاماً أو ناقصاً أو الشروع فيه، كما يعاقب على التآمر ولو لم يهيّئ وسائلها أو يسعى إلى تنفيذها.
كما أنّ الجرائم المذكورة يعاقب عليها قانون العقوبات اللبناني على كلّ لبناني أو أجنبي فاعلاً أو محرّضاً أو متدخلاً وأقدم خارج الأراضي اللبنانية على اقترافها.
أنّ كلّ لبناني يعاون العدو على فوز قواته، أو يتصل به، أو يدسّ الدسائس لديه يعاقب كخائن وينفذ بحقه عقوبة الإعدام وفقا لأحكام المادة 275 من قانون العقوبات.
أما التطبيع (لغوياً وسياسياً التطويع) والذي يهدف إلى جعل ما هو غير طبيعي طبيعياً، للقبول بكيان العدو “الإسرائيلي” الغاصب كدولة شرعية إقليمية.
إنّ رفض التطبيع هو حق أقرّته المواثيق الدولية فهي تتعارض مع أحكامها، وإنّ قرارات الأمم المتحدة ومجلس الأمن لم تنص على أيّ تطبيع قسري، بل إن المادة الحادية والأربعين من ميثاقها تقرّ على إجراء تدابير المقاطعة، وقد لجأت إليه في العديد من المنازعات الدولية منها ما فرض على جنوب أفريقيا بسبب سياسة التمييز العنصري.
وقد قرّر مجلس جامعة الدول العربية مقاطعة العدو “الإسرائيلي” عام 1949، ثم في عام 1954 أقر القانون الموحد للمقاطعة، حيث حظر أيّ تعامل أياً كانت طبيعته مع العدو “الإسرائيلي”.
يلتزم لبنان بقوانين المقاطعة العربية الصادرة عن مكتب مقاطعة “إسرائيل” التابع لجامعة الدول العربية، وتدخل ضمن نطاق التطبيق في لبنان النصوص التي تعاقب كلّ من يعمل على تشويه تاريخ العرب او الدعاية لـ”إسرائيل” والعمل لمصلحتها أو الميول للصهيونية.
كما حظر المشرع اللبناني على مبدأ خرق مقاطعة “إسرائيل” بموجب أحكام قانون مقاطعة “إسرائيل” الصادر بتاريخ 23/6/1955 الذي لم يحصر الحظر على التعامل التجاري البحت وإن لم يرد بالحرف ذكر أنواع التعامل الأخرى، لأنه لم يكن وارداً وقتذاك ان يقبل ايّ لبناني بالمطلق ايّ تعاون، إنما كانت الخشية محصورة في ان يعمد بعض المقاولين إلى إبرام صفقات تجارية مع أشخاص أو شركات تحمل الجنسية “الإسرائيلية”، وفي كلّ الأحوال حظر أيّ تعامل آخر مهما كانت طبيعته، وهو حظر عام شامل مطلق.
إنّ الوصف الجرمي لكلّ من تعامل مع “إسرائيل”، وأيا كانت طبيعته هو جناية تمتدّ عقوبتها من ثلاث سنوات إلى عشر سنوات بالإضافة إلى الغرامة، وتطبّق في هذه الحالة أحكام هذا القانون بوصف الجرم جناية، فلا يطبّق قانون العقوبات لأنّ المقصود في متنه العدو، وليس المقصود العدو “الإسرائيلي” الذي أعلن عن دولته المزعومة بعد صدور قانون العقوبات اللبناني.
إنّ قانون المقاطعة المذكور أعلاه يشجع على الإخبار عن جريمة خرق المقاطعة بإعفاء المخبر من العقوبات عدا المصادرة قبل اكتشاف الفعل الجرمي، ومنحه مكافآت مالية لمن يضبط أو يسهل ضبط هذه الجرائم.
إنّ اختصاص النظر في هذه الجرائم من صلاحية المحاكم العسكرية، لأنّ القانون يراعي خطورة التطبيع وخرق المقاطعة وهو إقرار بحدّ ذاته بجدواها.
إنّ شؤون مقاطعة “إسرائيل” يتولاها مكتب مقاطعة “إسرائيل” بإشراف وزير الاقتصاد، ويتولى هذا المكتب تأمين الاتصال العادي مع المكتب الرئيسي لمقاطعة “إسرائيل” ومع المكاتب الإقليمية للدول العربية، وهذا ما نص عليه مرسوم تنظيم مقاطعة “إسرائيل” الصادر في 19/4/1963.
كما نص مرسوم تنظيم مقاطعة “إسرائيل” على إدراج أو شطب أسماء من لائحة الأشخاص أو المؤسسات المحظر التعامل معها من جهة وعلى اللائحة السوداء للبواخر من جهة ثانية، وهي تخضع لتصديق مجلس الوزراء بناء على اقتراح وزير الاقتصاد وبعد استطلاع رأي الهيئة العليا للشؤون الفلسطينية، وتنشر هذه اللائحة في الجريدة الرسمية وفي ثلاث صحف يومية مرة كلّ سنة وتحت إشراف مكتب المقاطعة.
إنّ المقاطعة هي الوسيلة التي يستخدمها المواطن بغرض تحقيق هدف سياسي رافض لأيّ تعامل مع العدو “الإسرائيلي”، وتستند آلية تطبيقها إلى خبرة في أشكال المقاومة المدنية، والأهم أنّ الأنظمة لا تملك أيّ سلطان على المواطن فيه، ولا تستطيع منعه، وتأكيداً على ذلك فإنّ العدو “الإسرائيلي” يقر بأنّ الاتفاقيات مع بعض الأنظمة العربية عجزت عن تحقيق التطبيع لدى الشعوب التي تملك مخزون تاريخي نضالي في هذا الاتجاه.