أخيرة

آخر الكلام

 

بطاقة تعريف بدمشقَ الشام*

 

‬ يكتبها الياس عشي

 

من أنا؟
أنا دمشقُ الشام..
أنا أولى عواصم الدنيا.
اسمي دمشقُ. بينه وبينَ فِعلِ (دَمْشَقَ) توأمةٌ. ففي حينَ كان الغزاةُ يهمّون بدخول المدينة. كما يروي الرواة. كان سكّاني يدمشقون (يرفعون بسرعة) أسوارها لصدّ الغزاة. نجحوا وكانت التسميةُ. ومنذ ذلك الحين. وأنا العصيّة.
مكان إقامتي: بلاد الشام.
أترابي كُثُرٌ: بغداد. بيروت. حلب. تدمر. اللاذقية. طرابلس. أنطاكية. أرواد. طرطوس. جبيل. أوغاريت. وكلّ المدن السورية. لعبنا معاً. نمَونا معاً. وسنبقى معاً.
رقمُ سجلّي مساوٍ لعدد الذين استشهدوا من أجلي كي أبقى مرفوعة الرأس.
تحرسني البوّابات السبع، وقاسيون. وأهلها الطيّبون… الشجعان الطيبون.
وحدث أنّ لي من العمر بضعةَ ألوف من السنوات. وما زلتُ فتيّةً لأني أتنفس من خمائل الغوطة. ومن بردى. ومن الياسَمين. ومن بِركِ الماء قلائدِ البيوت العتيقة. ومن ميسلونَ ذاكرةِ سورية الحديثة. ومن الجامع الأمويّ. ومن صوت يوحنّا الصارخِ في البريّة. ومن بولس الخارج. تحت سقفي الأزرق. من كفن اليهوديّة إلى الخلاص.
أنا عاصمة الأمويين. من رَحمي خرجت الأندلس لتباهيَ الإفرنج بدرّتيها: أشبيلية وغرناطة.
ما من شاعر إلّا وتغزّل بمفاتني. فأقمت لهم أقواس النصر. ثمّ خبّأتهم في قلبي.
وما من رسّامٍ مرّ بي إلّا واخترع ألواناً تليق بقامتي. وتليق بحضوري المدهش عندما يبدأ الكلام عن الإبداع.
وما من فاتح إلّا وأرادني سبيّةً من سباياه. فرددتُه على أعقابه. واحتفظت ببكارتي.
في صوتي بُحّةٌ. وما زلتُ أصرخ أنْ كفّوا أذاكم عنّي. وذراعاي تعبتان. وما زلت أدفع بهما رياح الشرّ الآتية من كلّ مكان.
هواياتي كثيرة. وأفضلها عندي أن أردّدَ ما قاله المبدعون عنّي. الله… كم هو بديع أن أكرّر صباحَ مساءَ ما قاله الشاعر مظفّر النوّاب:
«أنا دمشقُ…
امرأةٌ بسبعةِ مستحيلات.
وخمسةِ أسماء.
وعشرةِ ألقاب.
مثوى ألف نبيّ.
وفكرةُ خمسةَ عشرَ إلهاً خرافيّاً لحضارات شنقت نفسَها على أبوابها».

*مقدمة كتاب «السيرة الذاتية لعصفور أضاع طريقه إلى الشام» الذي صدر في أثناء مواجهة سورية للإرهاب.

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى