أولى

لا تستطيع أن تكون مع غزة والغزوة معاً

 

– تحاول بعض الدول والقنوات الفضائيّة في المنطقة أن تصيغ معادلة تصف فيها الغزوة الجاهلية التي استهدفت حلب وبلدات وقرى سورية أخرى بأنّها مقاومة وتضعها مع مقاومة الشعب الفلسطيني في غزة في مرتبة واحدة، والقول إنها تساند هاتين المقاومتين كتعبير عن الوقوف مع المظلومين وحقوق الشعوب.
– طبعاً هذه القنوات التي تصيغ خطاباً من هذا النوع تقف وراءها دول حتى لو قدّمت لها هامشاً إعلامياً واسعاً، فقياس المصداقية في الوقوف مع غزة هو في قياس مواقف الدول. وهذه الدول لا تنكر أنها جزء من الفلك الأميركي السياسي في المنطقة، رغم علاقاتها المفتوحة مع روسيا وإيران. واحدة من هذه الدول هي تركيا عضو رئيسي في حلف الناتو الذي يشكل الذراع العسكرية الدولية للهيمنة الأميركية، والثانية هي قطر التي تستضيف أضخم قاعدة أميركية في البلاد العربية، وهاتان الدولتان تضبطان مواقفهما فيما تسميانه دعم غزة عند حدود عدم إغضاب الأميركي. وهكذا تحتفظ تركيا بالعلاقات الدبلوماسية مع كيان الاحتلال بينما قطعت دول مثل كولومبيا وبوليفيا وتشيلي هذه العلاقات، وهي دول ليست عربية ولا إسلامية، بينما قطر أعلنت أنها لم تعد تستقبل قادة حماس لأن أميركا طلبت منها إبعادهم، ولو أنها صاغت الإبعاد بطريقة أشد بشاعة بالقول إنهم كانوا لأن المفاوضات كانت تستدعي وجودهم وفقاً لتفاهمات مع الأميركيّين.
– في غزوة حلب لا تبدو التغطية المالية والإعلامية القطرية والرعاية الأمنية والعسكرية التركية خافية، لأن الجماعات الإرهابية التي قامت بالغزوة لا تستطيع القيام بغزوتها بحجم الحشود والأسلحة والأموال التي تحتاجها الغزوة دون دعم مباشر وشراكة كاملة في التخطيط والإشراف من جانب قطر وتركيا. وهذا يجري في ظل ترجمة واضحة للإنذار الإسرائيلي الذي وجّهه بنيامين نتنياهو للرئيس السوري بسبب دعمه للمقاومة في لبنان وغزة، كما تؤكد كلمات القائدين الشهيدين السيد حسن نصرالله ويحيى السنوار.
– واقعياً، تسبّبت غزوة حلب بحجب الضوء عن مجازر غزة، وجعل خبر غزة ثانوياً، ومنحت وضعاً تفاوضياً مريحاً لنتنياهو بوجه المقاومة في غزة، وتمّت إعادة إنعاش إعلام الفتنة وثقافة الفتنة وحرّكت عصبيات أطفأها طوفان الأقصى. وخير تعبير عن حقيقة موقع الغزوة من الجبهات المتقابلة في المنطقة هو كلام قادتها وممثليها على القنوات العبرية، لجهة أنهم يرون أنفسهم مع كيان الاحتلال في جهة واحدة، ويرون أن لهم الأعداء ذاتهم، هم والكيان، ويقولون نقاتل معاً ضد الرئيس السوري وحزب الله وإيران، بحيث لا يحتاج الأمر إلى دليل للقول إن مَن يقف مع الغزوة يقف مع “إسرائيل”، فهل يمكن أن تكون مع غزة و”إسرائيل” في وقت واحد؟
– الفارق كبير بين عام 2011 واليوم، حيث إن الكذبة يومها تحت عنوان الربيع العربي وثورات الشعوب كانت قادرة على اختراق الوعي الشعبي العربي، الذي انقلب على سردية هذه الكذبة في تونس ومصر وعاد إلى الدولة المركزية القديمة مع بعض التعديلات، لأنه اكتشف أنه وقع في فخ خطير مخالف للأحلام التي راودته في بداية الربيع العربي، بعدما تعرّفت الشعوب على حقيقة الثوار الجدد ومشروعهم الفعلي، واستحالة العيش معهم وليس فقط في ظل حكمهم، ويومها لم يكن هناك حرب كالتي نحن في قلبها منذ سنة ونيّف ما بعد طوفان الأقصى، حيث الفرز بين معسكري الطوفان والكيان، ومحاولة استحداث معسكر ثالث، تحت شعار تأييد غزة والغزوة محكوم عليها بالفشل سلفاً، طالما أن الثوار يقولون إنهم يعملون على قطع خط إمداد المقاومة في لبنان، وهو ما رفضه الرئيس السوريّ، وبحيث تصير القضية ببساطة، حرباً إسرائيلية جديدة في سورية تستكمل حربها في لبنان لا زيادة ولا نقصان.

التعليق السياسي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى