نقاط على الحروف

سورية 2011 وسورية 2024

 

ناصر قنديل

 

– يقارب كثيرون من مؤيّدي سورية ومعارضيها المشهد الراهن في سورية بعقل توقف أو تجمّد عند مشهدية 2011 وتوازناتها وحساباتها وتحالفاتها، ويبنون استنتاجاتهم وكأن التطورات الراهنة هي تتمة تكمل ذلك المشهد وتضيف إليه، ويتجاهلون أن التحولات التي جرت في العالم والإقليم وفي سورية جعلت ما يجري مشهداً من مشاهد الكوميديا السوداء العاجز عن تمثيل أي شيء في الاستراتيجية وحتى في السياسة، محكوم عليه بالفشل حكماً، لأن العالم في عام 2024 وليس في عام 2011، والعالم لم يعد هو نفسه والمنطقة لم تعُد هي نفسها وسورية لم تعُد هي نفسها.

– عالمياً نتحدّث عن مرحلة كانت أميركا في ذروة اختبار قوتها الناعمة وقدرتها على تعويض الفشل الذي أصاب محاولة فرض رؤيتها للمنطقة عبر القوة الخشنة، بعد حروب أفغانستان 2001 والعراق 2003 ولبنان 2006 وغزة 2008، ومع ما حدث بين عامي 2016 و2018 في سورية، وتدحرج انتصارات حلف الدفاع عن سورية من حلب إلى دير الزور وصولاً إلى غوطة دمشق وجنوب سورية وأرياف حمص وحماة، وظهور مسار أستانة والمقصود انتقال تركيا من موقع رأس الحربة في الحرب على سورية إلى موقع اللعب السياسي مع حلفاء سورية وصولاً إلى البحث عن مصالحة سورية ورئيسها، كانت هذه الحرب الناعمة تلفظ أنفاسها، ولا يجب أن يهول علينا أحد بالمخاوف من قدوم الرئيس دونالد ترامب أو المخاطر من كون الإصلاحيين في الرئاسة الإيرانية. فما حدث بين عامي 2016 و2018، حدث عندما كان ترامب هو الرئيس وكان الإصلاحيون في الرئاسة الإيرانية.

– الحديث عن تأثير حرب أوكرانيا على حضور روسيا وقدرتها أو عن حرب غزة ولبنان والمواجهة الإسرائيلية مع إيران، واعتبار ذلك مدعاة للقلق على قوة سورية، قراءة معكوسة لفعل هذه العوامل، ذلك أن روسيا ذهبت إلى حرب أوكرانيا لتتويج موقع عالمي بدأت تشعر بقيمته في سورية وتعرف أنّها تفقده بفقدانها، وإيران وقوى المقاومة تدركان حجم ما تسبّبت به من ضعف لكيان الاحتلال أجبره على قبول وقف للنار في لبنان بعدما رفع سقف أهدافه الى المرتبة الوجودية، وعاد إلى المربع الأول لمساكنة مع مقاومة شديدة التسليح والبأس بلا أي أمل مستقبلي. وقد ذاقت روسيا وإيران طعم النصر السوري، ولم تعودا بحاجة للوقت لاستيعاب أن سورية بيضة قبان الأمن الاستراتيجي لكل منهما، كما كان الحال بين 2011 و2015.

– الوضع العربي الذي كان في ذروة التورط والانخراط في حرب سورية، والذي موّل وقدّم التغطية الإعلامية والفتاوى الدينية، وحشد وتجميع المتطوعين والمرتزقة على حد سواء، وصولاً إلى السطو على مقعد سورية في الجامعة العربية، هو اليوم تحت وطأة صدمة غزة وفشله فشلاً ذريعاً في الظهور كلاعب له قيمة أو دور، وقد أعاد لسورية مقعدها، ويجد نفسه ملزماً بالإقلاع عن الوقوع مرة جديدة في خطأ الحسابات والمغامرات غير المحسوبة، والذهاب بناء على ذلك للوقوف مع سورية سياسياً وإعلامياً، والامتناع عن تكرار مهزلة المواقف التي شاهدناها وسمعناها منذ العام 2011، ومعلوم أن حال العداء مع إيران من جهة وخطة صفقة القرن من جهة موازية قد صارتا شيئاً من الماضي بما لا يتناسب مع توقعات الراغبين برؤية موقف عربيّ مؤيّد لغزوة حلب.

– الوضع السوريّ ومعه شرائح شعبية عربية واسعة، أعيد تشكيل وعيها بعد الربيع العربي على وقائع جديدة، فما عاد سهلاً تكرار خديعة “الجزيرة” و”العربية” التي مرّت عام 2011 على شرائح واسعة سورية وعربية، فقد انتهت ثورات الربيع العربي إلى كوارث، وظهرت المعارضات السرية الغامضة الى الضوء وبانت القوى الأشد فعالية بينها، كنماذج لا يمكن احتمال وجودها في الحكم، والترحم على الأنظمة التي سبقتها، بينما اكتشف السوريون أن ما قيل لهم إنها ثورة هي جماعات تنظيم القاعدة بتسمياته المختلفة، معطوفاً على أطماع تركية، وبعض المواقف العدائية عربياً لدولتهم ورئيسهم بسبب سياسات تتصل بمواقف دولتهم ورئيسهم المشرفة من القضية الفلسطينية، وظهر لهم أن دولتهم وحدها ضمانة الحفاظ على وحدة أراضي سورية وحماية سيادتها والعيش المشترك فيها، ومن كان يحتاج إلى وقت عام 2011 ليبني روايته الخاصة عما يحدث في سورية شكل هذه الرواية بكل الفصول اللازمة، وهو يتموضع بوضوح اليوم، حيث يشعر أنه يحمي بلده من الضياع.

– جاءت حرب غزة ووضعت إطاراً لا يمكن تجاهله للمشهد السوري، حيث تركيا وقطر الداعمتان الرئيستان للجماعات التي تقاتل تحت لواء جبهة النصرة المصنفة إرهابيّة في الدولتين، الأولى هي تركيا لم تقطع العلاقات بكيان الاحتلال أسوة بدول غير إسلامية وليست في الجوار، مثل كولومبيا وبوليفيا، لم تستطع احتمال مشاهد مجازر غزة، والثانية هي قطر التي تقام على أرضها أضخم قاعدة أميركية في المنطقة، وقد طلبت من قادة حركة حماس مغادرة أراضيها وأوضحت أنها كانت تستقبلهم لخدمة المفاوضات بطلب أميركيّ، بينما سورية وحزب الله وإيران العدو الأول المستهدف من غزوة حلب، هم عناوين الاستهداف المباشر من كيان الاحتلال، ولم يكن الأمر يحتاج الى عميق تفكير لاكتشاف أن غزوة حلب هي تعويض عن العجز الإسرائيلي لمواصلة الحرب في جنوب لبنان.

– لن تكون المعركة لاستعادة الأراضي التي سيطرت عليها غزوة حلب غداً، لكن كل شيء يقول إن النتيجة الحتمية لما نشهده وفي سياقه التاريخي والسياسي له وجهة واحدة، هي تتويج انتصارات سورية السابقة بنصر جديد أوسع يفتح الطريق لتوحيد أراضيها وتحقيق سيادتها.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى