صمود أسطوري… وسمعة في الوحل
بشارة مرهج*
يكفي المقاومة الإسلامية التي قاتلت ببسالة منقطعة النظير وصمدت صموداً اسطورياً لا سابق له في وجه آلة الحرب الصهيونية ـ الأميركية أنها لم تستهدف المستشفيات والمدارس والمدنيين، بينما ركز العدو الصهيوني على هذه الأهداف تحديداً، رغم سخط أكثرية أهل الكوكب ومؤسساته عليه، ورغم ثورة الطلاب والأجيال الجديدة على تنكيله بالأطفال والنساء.
لقد خسر العدو الصهيوني المعركة رغم كتلة النيران الضخمة التي صبّها على كلّ بيت وحيّ ومواطن، وسيذكر الناس، الى الأبد، وحشية الطيران «الإسرائيلي» الذي كان ولا يزال يرمي القنابل والصواريخ على المدنيين سواء في غزة أو لبنان دون أيّ مراعاة لأيّ اعتبار أخلاقي أو حضاري، ودون أيّ اكتراث بسمعة «إسرائيل» التي تغرق في الأوحال يوماً بعد يوم.
واذا كانت الحركة الصهيونية قد فشلت مع الولايات المتحدة في إخراج طبعة جديدة للشرق الأوسط فإنّ فلسطين ولبنان نجحا، الى حدّ كبير، في تغيير نظرة العالم ومواقفه تجاه «إسرائيل» ونهجها العنصري أو الولايات المتحدة ونهجها الاستحواذي، الذي يُصرّ على السيطرة على العالم وقيادة العدوان على الأمة العربية وإدخالها شبكة التطبيع.
انّ التضحيات العظمى التي قدّمها ويقدّمها لبنان وفلسطين عبر مقاومتهما البطولية للغزوة الصهيونية المتجدّدة ستبقى على مدى الأيام نقطة بارزة في تاريخ الإنسانية وخطوة فعّالة لتخليصها من سموم الاستعمار والاحتكار والإبادة الجماعية.
وبنجاحهما في التصدي الفعّال للهجوم «الإسرائيلي» الشامل الذي استهدف شلّ إرادة المقاومة ودفعها للاستسلام نجحت المقاومة في تحصين الموقف العربي العام وإنعاش آماله في تفادي السقوط المخزي في أحضان عدو يحترف الاحتلال والاستيطان والإملاء والتهجير.
ورغم إعلان الرئيس الأميركي جو بايدن ومعه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بأنّ لبنان و «إسرائيل» قبلا بالمقترح الأميركي «لإنهاء الصراع المدمّر» بينهما، ورغم ترحيب لبنان الرسمي والشعبي ومختلف الأوساط العربية والدولية بالاتفاق، إلا انه بنصوصه المعلنة أو محتوياته السرية لا يزال موضع تلاعب وتأويل من قبل العدو الصهيوني الذي يبحث عن ثغرات ونقاط غامضة لاستئناف هجماته على لبنان أو على الأقلّ الاستمرار في إطلاق التهديدات ضدّ شعبه لزرع التوتر والقلق في صفوفه ومنعه من العودة الى أرضه والبدء في عملية الإعمار التي تطرح نفسها بقوة على الرغم من انّ الحكومة اللبنانية لا تزال تتريث في هذا المجال متذرّعة بضآلة المساعدات الخارجية وهزال وضعها المالي للبدء بهذه العملية التي لا يمكن ان تستبعد قرية أو قطاعاً أو منطقة.
وإذ يخضع هذا الاتفاق لامتحان عسير بسبب امتعاض «إسرائيل» منه على خلفية إخفاقها في تحقيق أهدافها الخبثية تحتدم الساحة الصهيونية في هذه اللحظة بصراعات سياسية ساخنة تهدّد الاتفاق، خاصة انّ مجمل المهجرين من أصبع الجليل وسواه من المناطق يعتبرون، بالتناغم مع تيارات ووزراء وشخصيات سياسية نافذة، انّ الاتفاق يشكل انتصاراً للبنان والمقاومة ونكسة لـ «إسرائيل» وقادتها. وإذا أضفنا الى ذلك الاحتقان النفسي والسياسي الذي يعاني منه نتنياهو بسبب إخفاقاته الاستراتيجية وتصاعد الهجرة وتوسع رقعة الانقسام السياسي وإصرار الجسم القضائي، دولياً وإسرائيلياً، على ملاحقته فإنّ الموقف الداخلي في «إسرائيل» يزداد تعقيداً وسخونة مما سيترك آثاره المباشرة على الجبهة اللبنانية عبر ممارسات عدوانية يقوم بها جنود «إسرائيليون» يتوقون للعودة الى منازلهم بعد ان فتك بهم الإرهاق والإحباط ومشاهدة الأهالي اللبنانيين يعودون الى قراهم، فضلاً عن تقدم الجيش اللبناني للحلول محلّ جنود الاحتلال…
*نائب ووزير سابق