الإرهاب الأميركي يضرب سورية من جديد…
د. محمد سيد أحمد
بدأت الحرب الكونية على سورية في مطلع العام 2011، ومنذ اللحظة الأولى ونحن نكتب ونحلل ونحذر ونحاول أن نكشف أبعاد المؤامرة على الدولة العربية السورية، التي شكلت صداعاً مزمناً في رأس العدو الأميركي الذي فرض سيطرته وهيمنته الاستعمارية الجديدة على كل الدول العربية تقريباً بنسب متفاوتة، ما عدا هذه الدولة التي لم يتمكن من إذلالها أو تركيعها كما فعل مع غيرها من بلدان المنطقة.
فظلت الدولة العربية الوحيدة المحتفظة بكامل سيادتها، فكان شعبها يأكل مما يزرع ويلبس مما يصنع وقد اقترب من الاكتفاء الذاتي، هذا إلى جانب أنها الدولة العربية الوحيدة التي لم تكن عليها ديون خارجية ولا دولار واحدا، وظلت محتفظة بقرارها السياسي وحق جيشها في خوض معركة التحرير مع العدو الصهيوني، وبالطبع لم تفلح معها كل محاولات التغريب والتشويه الثقافي نظراً لتجربتها الفريدة في تعريب العلوم، فظلت محافظة على الهوية الحضارية العربية، والمدافع الأول عن المشروع القومي العروبي المقاوم.
وكنا نقول في وقت مبكر أن الأصيل في هذه الحرب على سورية هو العدو الأميركي وحليفه الصهيوني، وأن هذه الحرب تستهدف مكونات الدولة الأربعة وهي: الأرض والشعب والجيش والقائد، حيث تستهدف تقسيم وتفتيت الأرض، وتمزيق وحدة النسيج الاجتماعي للشعب، واستنزاف قدرات الجيش وإضعافها إلى أقصى درجة ممكنة، والإطاحة بالقائد الشجاع الذي لا يلين وغير القابل للمساومة أو البيع والشراء أو التخويف والتهديد، وبالفعل بدأت الحرب الكونية ومنذ اللحظة الأولى وهي تتحرك على المحاور الأربعة لكن هيهات أن تنال من وحدة الأرض وتماسك الشعب وبسالة الجيش وصلابة القائد.
وتمكنت الدولة العربية السورية عبر سنوات الحرب الكونية التي اقتربت من الأربعة عشر عاماً من تفكيك مشروع المؤامرة عليها وعلى الأمة العربية كلها، فالعقيدة الراسخة لدى سورية شعباً وجيشاً وقائداً أنها لا تخوض هذه الحرب دفاعاً عن التراب الوطني السوري فحسب بل تخوضها نيابة عن الأمة العربية كلها بل دفاعاً عن شرف وكرامة كل مواطن عربي شريف يعيش فوق هذه الأرض. ومن هنا رسمت سورية استراتيجياتها لمواجهة المشروع الاستعماري الغربي، فهي رأس الحربة في المشروع القومي العروبي المقاوم الذي يشكل البديل للمشروع الاستعماري، وهزيمة سورية هي هزيمة لمشروع وليس لبلد.
وحاول العدو الأميركي أن يوهِم العالم أجمع عبر سيطرته على الآلة الإعلامية الجهنمية الجبارة التي تعمل طوال الوقت على نشر الأكاذيب، أن هناك ثورة في سورية، ومع الوقت وانكشاف هذا الادّعاء الكاذب، حاول أن يقنع الرأي العام العالمي أن الثورة السلمية تحوّلت إلى ثورة مسلحة نتيجة ما مورس ضدها من عنف، وعندما كشف زيف الادّعاء الجديد، قام بالاعتراف بأن بعض الجماعات والتنظيمات التكفيرية الإرهابية قد انضمّت إلى الثوار لدعمهم، ولم يصمد هذا الادّعاء طويلاً، حيث اختفى الثوار وتحوّلوا إلى معارضة في الخارج تجلس في فنادق الخمس نجوم في بعض العواصم حول العالم، وبالتالي أصبح العدو الأميركي يدافع عن الجماعات والتنظيمات الإرهابية التي هُزمت على يد الجيش العربي السوري، ووجد العدو الأميركي نفسه في مأزق شديد.
فقرر أن يخوض الحرب بنفسه لكنه لم يعد يستطيع أن يقدّم مبرّراً أمام الرأي العام العالمي، وعجز عن انتزاع قرار من مجلس الأمن بالتدخل العسكري في سورية، ولم تكن حجة الكيماوي المزعوم مُحكمة أو مُقنعة. وكانت الدولة العربية السورية قد تمكنت من عقد تحالف استراتيجي مع روسيا التي وقفت كالصخرة في مواجهة البلطجة الأميركية سواء على المستوى الميداني أو المستوى السياسي وكان الفيتو الروسي جاهز دائماً لإفشال مساعي العدو الأميركي العدوانية، واستطاعت سورية إجهاض المشروع الأميركي، وعادت الدولة تسيطر من جديد على غالبية الجغرافيا السورية باستثناء شمال شرق سورية الذي ظلّ تحت الاحتلال الأميركي والتركي، وبقيت الجماعات التكفيرية الإرهابية التي تعمل تحت إمرة الأميركي والصهيوني في حالة خمول.
وجاء العدوان الصهيوني على غزة ثم لبنان، وكان موقف سورية حاسماً وهو ما عبّر عنه الرئيس بشار الأسد في قمتي الرياض الأولى في نوفمبر 2023 والثانية في نوفمبر 2024، حيث أكد على دعم بلاده للمقاومة الفلسطينية واللبنانية البطلة والشجاعة في مواجهة الآلة العسكرية الصهيونية المجرمة، ومع إعلان الهدنة ووقف إطلاق النار في لبنان، خرج مجرم الحرب بنيامين نتنياهو وألقى خطاب العجز، الذي هدّد فيه سورية بشكل واضح وتوعّد بمزيد من الاعتداءات والجرائم على أراضيها وضد شعبها، بسبب دعمها وإمدادها للمقاومة في لبنان، ولم يكد مجرم الحرب الصهيوني ينهي كلمته، حتى بدأت جحافل الإرهاب التكفيري بالعدوان من جديد على سورية، وبدعم كامل من العدو الأميركي والعدو التركي.
وبالطبع بدأت الآلة الإعلامية الأميركية والصهيونية الجبارة في نشر أكاذيبها من جديد، في محاولة لكسر الإرادة العربية السورية وتحطيمها نفسياً، حيث يحاولون إيهام الرأي العام العربي والعالمي بأنّ جحافل الإرهاب التكفيري التي هزمت شر هزيمة أمام بواسل الجيش العربي السوري على مدار السنوات الماضية، قد تمكنت من العودة من جديد للسيطرة على مدينة حلب وتتقدّم تجاه حماة بسهولة ويسر، وخلال ساعات سوف تكون قد سيطرت على كامل الجغرافيا السورية. وبالطبع هذا كلام لا يقبله عقل، فسورية التي لم يتمكن العدو الأميركي والصهيوني والتركي والغرب بأكمله مع جحافل الإرهاب من كسرها وإسقاطها عبر سنوات وسنوات، يمكن الآن إسقاط مشروعها المقاوم بهذه السهولة!!!
وفي خضمّ المعارك التي يخوضها الجيش العربي السوري، مع جحافل الإرهاب التكفيري المدعوم أميركياً وصهيونياً وتركياً، جاءت كلمة الرئيس البطل بشار الأسد حاسمة، حيث أكد «أن الإرهاب لا يفهم إلا لغة القوة وهي اللغة التي سنكسره ونقضي عليه بها أياً كان داعموه ورعاته»، وأشار إلى أن «الإرهابيين لا يمثلون شعباً ولا مؤسسات، يمثلون فقط الأجهزة التي تشغلهم وتدعمهم»، وبناء عليه وبعد عودة الإرهاب الأميركي من جديد لضرب سورية، علينا أن نتذكر وندرك أنها جولة جديدة من مشروع الشرق الأوسط الكبير أو الجديد الذي يسعى لتقسيم المقسم وتفتيت المفتت في منطقتنا العربية، وأن هذا المشروع يتماهى مع المشروع الصهيوني المعروف بـ «إسرائيل الكبرى» من النيل إلى الفرات، فعلى كلّ الدول العربية أن تفيق من غيبوبتها. فالمعتدي على سورية اليوم سيعتدي على كلّ الدول العربية غداً، فالحلّ يتمثل في الوحدة والمقاومة، اللهم بلغت اللهم فاشهد…