لبنان أرض المقاومة والعزة والكرامة… والوقف المؤقت للنار
د. جمال زهران*
شعب لبنان هو شعب العزة والكرامة، وهو رمز المقاومة في آخر خمسين سنة، وتحمّل عبء المواجهة مع الكيان الصهيوني/ الأميركي.. الغاصب لفلسلطين، في ثلاث مواجهات.. انتصر فيها بالمقاومة وهي تحرير بيروت والجنوب في 25 مايو/ أيار 2000م، وأصبح يوماً تاريخياً في لبنان والمنطقة العربية. أما المواجهة الثانية، ففي يوليو/ تموز 2006م، والتي استمرت (33) يوماً، وأكبر المواجهات بعد حرب أكتوبر التي لم تستغرق أكثر من (22) يوماً فقط! تمّت مواجهة العدوان الصهيوني على بيروت والجنوب، إلى أن استسلم العدو، وكان يطمح للوصول إلى بيروت وإعادة احتلالها مع الجنوب، ولكن فشل فشلاً ذريعاً، وعاد يجرّ أذيال الهزيمة. ففي الأولى اضطر للخروج من بيروت والجنوب بلا قيد أو شرط (2000م)، وفي الثانية بدأ العدوان، ولم تنكسر المقاومة، بل ازدادت قوة. والآن عاد العدو، متصوّراً أنه سيجد الفرصة السانحة للقضاء على المقاومة في لبنان، والقضاء على حزب الله، واحتلال الجنوب والوصول إلى بيروت، وواصل العدوان الجوي والبري لمدة شهرين كاملين، حتى تمّ وقف إطلاق النار، بعد فشله في تحقيق أهدافه، أو احتلال أيّ مساحة من الجنوب، وفشل عدوانه البري، الذي كان يتوهّم أنه بمجرد الاقتحام البري، ستنهار المقاومة، وسينهار حزب الله، ويحقق نصراً سهلاً! إلا أنه وجد مقاومة شرسة، قوية، لم يعتد عليها من قبل. فلقد أصبحت المقاومة، أكثر قوة وعزيمة، فما كانت عليه من قبل، بعد آخر مواجهة وهي الثانية في عام 2006م، منذ 18 سنة.
والملاحظ أنّ الخط البياني لقوة المقاومة اللبنانية، كان في ازدياد منذ نشأة حزب الله في 1982م، وترجمت هذه القوة المتصاعدة، في ثلاث مواجهات (2000م – 2006م – 2024م)، كانت خلاصتها أنّ قوة حزب الله والمقاومة، في تصاعد في العتاد والجهوزية والمواجهة، والتسلح، الأمر الذي جعل العدو الصهيوني/ الأميركي، يتسوّل وقف إطلاق النار، إلى حدّ الاستعجال، الذي خرج بصورة كاشفة لحجم العدو وجيشه المنهار، بصورة غير مسبوقة، ويتأكد الانتصار الساحق للمقاومة اللبنانية في هذه المواجهة الثالثة، امتداداً للمواجهتين السابقتين.
ولا شك في أنّ هذا ليس تقييماً لقرار وقف إطلاق النار، والاتفاق بشأنه بين الدولة اللبنانية وبين أميركا (راعي كيان الاحتلال)، من حيث ما أفصح عنه هذا الاتفاق، سلباً أم إيجاباً، فلهذا حديث آخر بل وأحاديث مقبلة. لكن ما تمّ حتى الآن، محاولة لتأكيد الانتصار للمقاومة اللبنانية، وانتصار الدولة اللبنانية في مواجهة العدو الصهيوني الأميركي، وهو تأكيد أنّ أميركا هي الأصل، وهي الراعية لهذا الكيان، وأنّ من حاربناه وسنظلّ هو أميركا وغير ذلك، فإنه هراء لا يستحق عناء الردّ، كما أنه محاولة لالتقاط الأنفاس، وإعادة تنظيم الصفوف، استعداداً لما هو آتٍ.
أما هنا، فإنّ التفصيل يستدعي الإشادة بالمقاومة اللبنانية بقيادة حزب الله (سماحة السيد الشهيد حسن نصر الله) وخلفائه، خاصة سماحة الشيخ نعيم قاسم، الذي تولى مهمة الأمين العام بجسارة وقوة، ومنذ لحظة توليه، والهجوم المستمرّ بكافة أنواع الصواريخ على تل أبيب (يافا)، وعلى حيفا وجباليا والجولان، وكل مستعمرات الشمال الفلسطيني المحتلّ حتى رحل الصهاينة المستوطنون من الشمال، ويبدو للأبد، حتى رغم وقف إطلاق النار.
كما يستدعي الأمر الإشادة بالشعب اللبناني البطل، الذي كان بمثابة الحضانة الشعبية للمقاومة، وبكل أطيافه، باستثناء بعض العملاء الشاردين الذين يعملون بـ «الريموت الأميركي»، ومبعوثة الشيطان الأعظم وهي السفيرة الأميركية. فهذا الشعب اللبناني تعرّض لأسوأ عدوان من جانب عدو غادر يتسم بالفجور والحقارة. فراح ضحية ذلك منذ الهجوم الصهيوني بالبيجر، وغيره، وبالهجوم على الضاحية وخاصة حارة حريك، وهو المكان الذي تقطنه غالبية من الطائفة الشيعية اللبنانية، وأماكن عمل حزب الله المدنية، نحو 4 آلاف شهيد، ونحو 10 آلاف مصاب، حتى اللحظة! كما راح ضحية الهجوم رموز كبرى في مقدمتهم سماحة السيد الشهيد حسن نصر الله، وبعده بأيام سماحة السيد الشهيد هاشم صفي الدين، وقائد الجناح العسكري لحزب الله (السيد فؤاد شكر) ومعه عدد من القيادات الكبرى (حوالى 15 قائداً»، كما استشهد مع سماحة السيد نصر الله، ومع سماحة السيد صفي الدين عدد من كبار القادة، فضلاً عن العديد من القيادات وآخرهم العزيز الغالي القائد الحاج محمد عفيف، مسؤول العلاقات الإعلامية في حزب الله، وذلك بعد ظهوره أمام عدسات الإعلام، يقود الحملة الإعلامية المضادة للكيان الصهيوني الأميركي. وصاحَب ذلك، استشهاد العديد من العاملين في مجال الإعلام، وخاصة قناتي «الميادين» و»المنار» وغيرهما، حيث استهدفت الكيانات الإعلامية ومقارها والعاملين فيها، وتمّ تشتيت تواجدهم، إلا أنهم ظلوا يؤدّون رسالتهم، رغم كلّ هذه الأهوال. وعلمت من مصادري أنّ منازل بعض هؤلاء الإعلاميين قد استهدفت وهدمت!
إنها جسارة لا توصف، وشجاعة منقطعة النظير، فالجميع يؤدون واجبهم، ولم يخشوا الموت، بل قدّموا أنفسهم مشاريع للشهادة، في سبيل نصرة المقاومة، ونصرة لبنان، ولم يتخاذلوا، أو يتراجعوا عن أداء واجبهم، الأمر الذي معه يستحقون الإشادة والتقدير، ولا يقبل أحد، أن يزايد على هؤلاء المقاومين. فجميعهم، قدّموا أنفسهم، ضحايا وشهداء للوطن وللمقاومة، حتى ينتصروا على عدو خائن، وغادر، وفاجر، ومنعدم الضمير. ويا ليت من لديه ذرة في احتمالات سلام معه، فهو خاسر بلا شك، لأنّ وظيفته قد انكشفت للجميع، وفي جميع المواجهات السابقة، إلا أنّ الهجوم الصهيوني على غزة، وتنفيذ مخطط «الإبادة الجماعية»، على شعبها، الذي لم يستسلم نهائياً، ورفض التهجير القسري والطوعي، ثم الهجوم البري والجوي على لبنان، والعدوان على المدنيين بلا وازع إنساني أو أخلاقي، قد كشف هذا العدو الصهيوني الأميركي. ويا ليت يصمت للأبد الباحثون عن أوهام السلام مع استمرار الكيان وإنشاء دولة فلسطينية، فهذا عدو لا بد من إنهاء وجوده نهائياً، وتفكيكه من الداخل، حتى تقام الدولة الفلسطينية على أرض فلسطين التاريخية من النهر إلى البحر، بلا نقصان بوصة واحدة.
كما أنّ التحية واجبة لهذا الشعب اللبناني البطل، الذي قدّم أروع صور التحمّل لتبعات القضية، وقد تابعت كم كان أبناء الشعب اللبناني في كلّ أنحاء لبنان، يستقبلون أهلهم من الجنوب اللبناني، بكلّ حفاوة، ويقتسمون معهم المسكن، والعيش المشترك، في صورة رائعة من صور التلاحم الشعبي اللبناني العروبي. كما لم تتوانَ سورية (الدولة والشعب) عن استقبال البعض، وكذلك الدولة العراقية وشعبها العروبي أيضاً.
فقد فرض النضال على شعب لبنان، ليكشف عن معدنه العروبي النفيس، في أداء الواجب في مواجهة الكيان، بكل شجاعة، وجسارة، وقوة، ولم يتراجع أو يستسلم، ولم يقل: أين الآخرون؟! أين جيوش العرب الآخرين الملاصقين للكيان الصهيوني؟! ولم يستنجدوا بأحد، ليظلوا في المواجهة وحدهم، إلا من الشعب العربي في كلّ قطر عربي يؤيدهم ويؤازرهم، حتى بالدعاء والتشجيع والدعم المعنوي، بل والمادي ولو كان محدوداً!
ولقد فرضت المقاومة اللبنانية، معادلة (بيروت # تل أبيب)، وصدقت. فصرخ العدو، مطالباً راعيته الأولى (أميركا)، بسرعة الاتفاق على وقف النار، مستسلماً. وتساءلت أين النتن/ياهو.. الذي يقطر فمه «سماً» باستمرار، بمواصلة الحرب، واستمرار الإبادة والتدمير والخراب، فلقد شعر بالخطر على نفسه بعد وصول صواريخ المقاومة، إلى حجرة نومه، ومقر إقامته، ومقدرات وزير الدفاع ورئيس الأركان!
فالنتن/ياهو، قد صمت وسيظل صامتاً… ولعلّ الهدنة المؤقتة بوقف إطلاق النار، تنتهي، ليعود القتال، وتكون نهايته ونهاية الكيان الصهيوني الأميركي للأبد بإذن الله.
كلّ التحية للشعب اللبناني، وهو يمثل البيئة الحاضنة للمقاومة اللبنانية، التي أثبتت جدارتها وقوتها في حماية لبنان وشعبه الحر الأبي العظيم. تحية لك أيها الشعب الذي تحمّل ما لم تتحمّله شعوب دول عربية وإسلامية كبيرة، لكن ما يبدو أنّ أياديهم تحمل سلاحاً «فشنك»، أيّ بلا طلقات رصاص. كما أعتذر لكم يا شعب لبنان الحر، على عدم مجيئي لبنان، لمشاركتكم لكي أكون مشروعاً للشهادة مثلكم، ويا ليتني تمكنت من ذلك، لأسطر لعائلتي ولمصر الغالية سطراً من الفخر، بتضامني مع هذا الشعب العربي في لبنان، الذي أعتز به، فهو يضمّ عاصمة عربية هي بيروت، عاصمة النور العربية، نفتخر ونعتز بها. قلبي وقلمي معكم يا شعبنا العربي في لبنان المقاومة…
*أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية، جامعة قناة السويس، جمهورية مصر العربية