أخيرة

الزمن الجميل في اللاذقية

 

كنت وأترابي نخرج معاً إلى المواجهات الكبيرة في شوارع اللاذقية، لا فرق بين دين ودين، ولا بين مذهب ومذهب، ولا بين غنيّ وفقير، ولا بين المديني والقروي.
كنّا جميعاً صوتاً واحداً في ذكرى وعد بلفور، وتقسيم فلسطين، وقيام الدولة العبرية، وسلخ لواء إسكندرون، وحرب السويس. كانت الشوارع، رغم صغرها يومذاك، تتسع لنا جميعاً، وكانت أصواتنا تصل إلى كلّ بيت فتطلّ النساء مشاركاتٍ بالزغاريد والمناديل، فيزداد الشارع وميضاً، وتقوى السواعد، وليحدثْ ما يحدث… المهمّ أننا هنا.
هكذا، يا أصدقائي، عشنا في اللاذقية… هكذا رأيتها… هكذا كانت، إلى أن اختفى الكرسيّ من مداخل الحوانيت عندما يرتفع صوت المؤذن، وما عاد الناس يكترثون لجنازة تمرّ من أمامهم فيقفون خاشعين مشاركين أهل الفقيد في وداع راحلهم.
ما الذي تغيّر؟
تغيّرت طبائع الناس، تغيّرت أساليبهم، تغيّرت اهتماماتهم. ابتلع المال كلّ المشاهد الصغيرة والبريئة والنبيلة، تماماً كما يبتلع الإسمنت والحديد البساتين والحدائق. صار الموت مشهداً مجانيّاً.

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى