بانتظار ترامب…
سعادة مصطفى أرشيد*
تقول مصادر الرئيس الأميركي القادم دونالد ترامب إنه يريد ان يدخل البيت الأبيض في العشرين من كانون الثاني المقبل ليعالج آثار الحرب الدائرة في بلادنا، حيث يجب أن يكون قد توقف إطلاق النار في لبنان، وأن يكون قد تمّ الإفراج عن الأسرى «الإسرائيليين» في غزة، فهو يريد السلام ولكن السلام في تعريفه يعني انتصار «إسرائيل» وتحقيق كامل أهدافها وإنْ لم يحصل ذلك في الموعد المذكور فهو ينذر بتدفيعنا ثمناً باهظاً وأن يرينا الجحيم، ولا ندري عن أيّ ثمن أعلى مما شاهدناه أو عن أيّ جحيم بعد أن عاش أهل غزة وبعض لبنان درجاته التسع وفق مقياس دانتي أليغييري الشاعر الإيطالي صاحب الكوميديا الإلهية.
ومن مقدمات التحضير لدخول ترامب للبيت الأبيض أن عقد منذ أسابيع لقاء في نيويورك بين مندوب إيران في الجمعية العموميه للأمم المتحدة ورجل المال والتكنولوجيا إيلون ماسك بصفته مندوباً أو وزيراً في الإدارة الجمهورية المقبلة. ومن الطبيعي أنّ هذا اللقاء كان استكشافياً حيث إن الملفات المعقدة مثل الملف الإيراني تحتاج إلى نوعية مختلفة من الوزراء الأكثر مراساً في السياسة والأمن، ولكن إيران قلقة بعد نجاح ترامب الذي يُصنّف أنه من أنصار الاشتباك معها بشكل مباشر تحتاج إلى مثل هذا اللقاء.
ومن مقدمات التحضير لتسلّم ترامب زمام القيادة نشطت الإدارة الديمقراطية بالتنسيق معه للوصول إلى اتفاق وقف إطلاق النار في لبنان، هذا الاتفاق الذي يعتبر البعض أنّ تفاصيله ما زالت غير معروفة، إذ يتحدث الأميركي عن نص مرفق برسالة الضمانات لتل أبيب، فيما يتحدث رئيس مجلس النواب اللبناني عن نص آخر تمّ نشره وإعلانه من قبل الحكومة اللبنانية…
وينشط خيال المحللين السياسيين باتجاه إنتاج أكثر من سيناريو يتراوح بين التأكيد على أنّ الاتفاق يمثل انتصاراً مؤزّراً للمقاومة، فيما يذهب آخرون باتجاه مغاير.
وفي هذا السياق جاء الهجوم التكفيري الإرهابي على حلب مدعوماً من تركيا الأطلسية وقطر بشكل مباشر، ومترافقاً مع وقف إطلاق النار في لبنان. وكأنّ الدور قد أصبح الآن على الشام، وصحيح أنّ الدولة السورية استطاعت التصدي للهجوم وأنه بدا هجوماً إعلامياً على طريقة «الجزيرة» و«الإسرائيليين» بنشر أخبار وتقارير غير صحيحة، إلا أنّ الحرب على الدولة السورية قد تنتقل من الشمال إلى حوران والجبل حيث تكون في «الجوار الإسرائيلي» وتكون أكثر ضراوة وخطراً لأسباب الجغرافيا.
في المقدمات هذه عُقدت في القاهرة برعاية مخابراتها جلسات حوار بين حركة فتح الحزب الحاكم في الضفة الغربية وحركة حماس الحزب الموجود في غزة والذي قاد المقاومة باقتدار على مدى أربعة عشر شهراً وانتهى به الأمر وحيداً. وتفيد أنباء القاهرة عن اتفاق تمّ التوصل إليه يبدو أن القاهرة حاولت استنساخ اتفاق وقف إطلاق النار في لبنان. فالاتفاق ينص على وقف إطلاق نار لمده 60 يوماً يتمّ خلالها تشكيل لجنة من أصحاب الخبرة والمعروفين بوطنيتهم لإدارة غزة من النواحي المجتمعية والإغاثية والإسكانية وإعادة الإعمار، وأنّ هذه اللجنة سوف ترفع تقاريرها هذه للسلطة الفلسطينية في رام الله؛ الأمر الذي يعني بشكل موارب أنّ حركة حماس في طريقها للسير في غير طريق المقاومة بعد الذي قدّمته في الحرب من تضحيات وبعدما تحمّلت الضغوط والخذلان وانتهت بالطلب من قياداتها أن تغادر النعيم القطري الذي اعتادوا عليه وأن تبحث لنفسها عن مكان آخر. ولو كانت حركة حماس قد استقبلت من أمرها ما استدبرت لحافظت على علاقتها بدمشق التي قدّمت لها ما لم يقدّمه صديق أو حليف، ولكن أخذتها رياح الربيع الزائف فدمّرت هذه العلاقة الاستراتيجية.
السؤال المركزي بعد اتفاق القاهرة مع الافتراض أنه لن يفشل كما كلّ الاتفاقات التي رعتها القاهرة وغير القاهرة في السابق بين فتح وحماس، فهل مصر في هذه الحالة قادرة على إقناع واشنطن وتل أبيب بهذا الاتفاق؟ وهل هي قادرة على إقناع المقاومة بالإفراج عن الأسرى الذين تحتجزهم منذ السابع من تشرين الأول 2023 دون قيد أو شرط كما يريد نتنياهو؟ وهل نتنياهو معنيّ بإنهاء الحرب؟ أم أنه يفضل إبقاء غزة والضفة وباقي مشرقنا في حالة الحرب وتدفيع الثمن للبعض الذي تحدث عنه دونالد ترامب؟
أسئلة تنتظر إجابات سريعة…
*سياسي فلسطيني مقيم في الكفير ـ جنين ـ فلسطين المحتلة