أولى

ماذا نحن فاعلون؟

 

 بشارة مرهج*

 

في هذه اللحظة الحاسمة من تاريخ الصراع العربي الصهيوني بتصاعد عدوان جيش العدو ومعه المستوطنون والمغتصبون، على غزة بهدف كسرها وتهجير أهلها، بينما تتركز الأنظار على لبنان ومقاومته الباسلة حيث المحاولات «الإسرائيلية» المحمومة مستمرة لخرق قرار وقف إطلاق النار، وتسخيف بيان بايدن وماكرون، وإبقاء لبنان رهينة لشتى أنواع الاعتداءات بغرض السيطرة على قراره وأرضه ومياهه والتحكم بسيادته والهيمنة على دوره الاقتصادي والحضاري في المنطقة.
وإذ ينعَم هذا العدوان بدعم غير محدود من الولايات المتحدة التي تشارك «إسرائيل» أهدافها وأساليبها يتبيّن يوماً بعد يوم – حتى للسذج والمتجاهلين – انّ هذا العدوان يتخطى بمراميه الأهداف المعلن عنها رسمياً ليتصل بمشروع تهويد الأراضي المقدسة تهويداً كلياً، وإحياء مشروع الشرق الأوسط الجديد الذي يستبيح الدول العربية، باسم الشراكة والتقدّم، ليجعلها كيانات هزيلة تدور في فلك تل أبيب إقليمياً وواشنطن دولياً، مع ما يستتبع ذلك من احتلال وتطبيع وتجريف وتغريب، علاوة على تزوير للتاريخ وتشويه للتراث القومي وتزوير للثقافة العربية وزرع لثقافة العبودية والاستهلاك في نفوس الأجيال الجديدة بما يكفل خنوعها في المستقبل.
وما يجعلنا حذرين من الأيام المقبلة أنّ كلّ ذلك يجري، بالسر والعلن، بالتلازم مع رغبة عارمة لدى التحالف الأميركي – الصهيوني بالهيمنة على مقدّراتنا وثرواتنا وأرضنا وجعلها منصة متقدمة في الصراع القائم للسيطرة على الممرات والمنافذ البحرية وخطوط التجارة العالمية، ومنطلقاً لتوسيع الحصار على روسيا والصين ومنعهما من تنفيذ برامجهما الطموحة في تنمية اقتصادهما بالتعاون مع سائر الدول التي تطمح الى التحرر من هيمنة الدولار والرأسمالية الغاشمة التي تُصادر الأموال وتفرض العقوبات الظالمة على الدول والشعوب بغرض إفقارها ومنعها من التقدم والانماء.
وإذ يعتبر التحالف الأميركي – الصهيوني انتصاره على غزة والضفة الغربية والقدس أمراً ضرورياً وحيوياً لتحقيق أهدافه الخبيثة فإنه لا يتورّع عن استخدام كلّ الوسائل المميتة، بما فيها الإبادة الجماعية التي تعكس خواءه الثقافي وانحطاطه الأخلاقي.
فالتحالف يدرك بأنّ هذا هو الطريق الرئيسي الذي يمكن ان يحمي تفوقه وسلطته ونفوذه في العالم، ويؤهّله لخوض المعركة الحاسمة ضدّ موسكو وبكين، هذه المعركة التي أصبحت حتمية بنظره لمنع الصين وروسيا من إزاحة الولايات المتحدة عن عرشها الذي تتربّع عليه منذ نهاية الحرب العالمية الأولى، مع ما يترتب عن ذلك من نتائج كارثية على الاقتصاد الأميركي المتدهور والبنية التحتية المتهالكة، فضلاً عن الدولار الذي ينتظر مبادرات استثنائية يتخذها الرئيس المنتخب دونالد ترامب لإنقاذه من مصيره الغامض بعدما تمادت الفئات الأميركية الحاكمة في إنفاقها ونهبها واستهتارها بالحقائق الاقتصادية كما بإرادات الشعوب وفي مقدمها الشعب الأميركي نفسه الذي تدوس الرأسمالية مصالحه بوحشية تتفاقم يوماً بعد يوم.
انّ مواجهة هذا الخطر الجاثم على الكرة الأرضية وعلى منطقتنا بصورة خاصة غير ممكنة بالقبول والترحيب وإنما بالصمود في وجهه ومقاومته بكلّ الوسائل المشروعة بالتعاون مع كلّ الشعوب المحبة للحرية والسلام والتقدّم.
انّ ذهنية الانقسام المسيطرة الآن على العالم العربي تضعف من مناعته وقوته في مواجهة هذا الخطر الوجودي وتعرّضه لشتى الأخطار على كلّ المستويات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، وليس من طريق حقيقي يحقق التوازن مع هذه الأخطار الداهمة التي يهدّدنا بها نتنياهو وسموتريتش وبن غفير وجموع المستوطنين، علاوة على الإدارة الأميركية، وحضورها في كلّ الميادين، سوى تكريس فكرة الاتحاد بين الأقطار العربية الشقيقة والإصرار على فتح الطرقات والقنوات في ما بينها على كلّ المستويات بما يحوّلها الى كتلة أقوى وأقدر على صدّ الأطماع المستشرية في الأوساط الصهيونية والراسمالية، تلك الأوساط التي لم تكتفِ بشلالات الدماء التي أراقتها في غزة ولبنان، وانما تتهيّأ علانية للمضيّ في مشروعها الدموي لتصفية القضية الفلسطينية ومحو فكرة العروبة وما تمثله من حضور وانتماء وحقوق…

*نائب ووزير سابق

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى