هاجسان يلاحقان العائدين… البيوت المدمرة وانتهاء الشهرين!
علي بدر الدين
تحت عنوان «خاطرة صباحية»، تلقيت رسالة مُختَصَرة من «صديق فايسبوكي» يقول فيها: «قبل أسبوعين كنا نازحين، والآن أصبحنا لاجئين في قرانا، نحن الذين وجدنا بيوتنا مدمَّرة».
لم تكن لديَّ الجرأة للردِّ على رسالته ومواساته والوقوف على خاطره ودعوته إلى الصبر وهدأة البال، لأنّ المشاعر الإنسانية فاضت «زيادة عن اللزوم» وباتت فضفاضة وتحوّلت إلى مجرد كلام جاف يُطرَح بكثرة في سوق عكاظ الكلام، وتمَّ استهلاكها وتكرارها منذ عقود، لكثرة الأزمات والنكبات والحروب التي حلَّت بالشعب اللبناني وأتخمته، وآخرها الحرب «الإسرائيلية» المتوحشة والهمجية على لبنان التي قتلت وأبادت ودمَّرت وأحرقت وشرّدت أكثر من مليون وخمسمائة ألف مواطن لبناني من الجنوب أولاً، وتالياً من البقاع والضاحية الجنوبية ومناطق لبنانية أخرى، وعُرفوا بالنازحين وقد رسا عليهم هذا المصطلح لتمييزهم عن اللاجئين في لبنان.
الرسالة ـ الغصَّة رغم اختصارها الشديد كانت مؤلمة ومعبِّرة وفيها الكثير من المعاناة، التي تعجز الجبال عن حمل أثقالها وضغوطها اليومية والنفسية والاجتماعية، وتدلّ على مدى قسوة الحروب وتداعياتها الكارثية وفي مقدّمها النزوح الذي عشنا سلبياته ومهانته وذلَّه في أيامه الـ 66 التي كانت سنوات بالنسبة للنازحين الذين تركوا خلفهم كلّ شيء ورحلوا إلى المكان المجهول وإلى الزمان الذي لا يعرفون متى وكيف تتوقّف «عقاربه» ويحين موعد العودة.
لا يعتقدنَّ أحدٌ أنّ عودة النازحين إلى قراهم وبيوتهم كانت طبيعية أو نزهة او أنّ طريقهم كانت مفروشة بالحرير والورد والياسمين والأحلام والآمال الكبار.
على العكس تماماً فرغم «الفرحة» الظاهرة على الوجوه ودموعها التي ذرفتها العيون التي تشعُّ نوراً وسعادة ببث خبر الاتفاق على وقف العدوان وتحديد موعد وقف إطلاق النار، إلاّ أنّ هواجس القلق والخوف من قسوة ما ينتظر العائدين كانت أشدّ إيلاماً من العودة ذاتها، لأنها سبقتهم بالوصول وقد تكاثرت الأسئلة، هل ما زال بيتي في قريتي ومدينتي واقفاً شامخاً أم أنه تهدّم وتحوّل إلى ركام؟
وأخيراً وصل النازحون، بعد طول انتظار وزحمة السير الخانقة التي شهدتها معظم طرق لبنان، فمنهم من رأى بيته كما تركه ولكن زجاج أبوابه ونوافذه محطّمة، أو جدار غرفه مدمَّرة يدخلها الهواء ونور الشمس ومطر كانون، ومنهم من تحوّل بيته إلى «أثرٍ بعد عين» فوقف على أطلاله وبكى حزناً عليه ثم راح يبحث عن أشيائه الجميله وذكرياته وصور العائلة الأحياء منهم والأموات.
بطبيعة الحال فإنّ أصحاب هذه البيوت المدمَّرة هم الأكثر ضرراً وخسارة ومعاناة، لأنّ البيت الذي كان بمثابة مملكتهم وحاضنهم وملاذهم الآمن أصبح هباء منثوراً.
وكما يُقال «راحت السكرة وإجت الفكرة» الآن وربما غداً أو بعد غدٍ إلى أين المصير وأين سيحطُّ بنا الرحال، خاصة أن لا بيوت للإيجار، ولا إمكانيات مادية للاستئجار بعدما استهلك النزوح ما كان لدى النازحين من»القرش الأبيض لليوم الأسود».
نعم تحوّل هولاء الأفاضل مع عائلاتهم إلى «أيدي سبأ»، مشتتين يتوزّعون الإقامة، كل فرد لجأ إلى أحد الأقارب بانتظار التعويضات الموعودة وتشكيل اللجان والكشف والدفع.
وهناك هاجس ما بعد انتهاء هدنة الشهرين، هل ستطول، وهل سيُنفذ ما تمّ الإتفاق عليه، أم أنّ العدو «الإسرائيلي» ماض في عدوانه و»خروقه» الدائمة لوقف إطلاق النار؟
كان الله بعون اللبنانيين جميعاً وخاصة النازحين العائدين…