نتنياهو… ومشروع الهيمنة
المحامي فؤاد مطر
انّ منطقة الشرق الأوسط تشكل واحدة من أهمّ المناطق في العالم بسبب موقعها الاستراتيجي الذي يربط بين ثلاث قارات، وتحتوي على ثروات باطنية من نفط وغاز ومعادن، وثروات مائية من النيل والفرات ودجلة مروراً بنهري الأردن والليطاني، وتتوافر فيها أراض شاسعة صالحة للزراعة، وتجمع موارد بشرية كفوءة وكفاءات علمية ويد عاملة وفيرة، لكن الكيان الصهيوني الذي زرعه المستعمر في وسط المنطقة العربية يستهدف إعادة تركيب المنطقة على قاعدة تفجير الجماعات الاثنية والدينية والمذهبية وبشكل يجعل من كيانه الأقوى سياسياً وعسكرياً واقتصادياً وفق ما ورد في مشروع استراتيجيته عام 1982 نقلاً عن مجلة «ايغونيم الإسرائيلية».
في ظلّ مناخات «عملية السلام» مع بداية التسعينيات تمّ توقيع معاهدتي «أوسلو» و «وادي عربة» دون تقديم ايّ تنازل حول الأماكن المقدسة، وعندما تعرّض ياسر عرفات للضغوط بشأنها قال «أنتم تدفعوني لأقدّم لكم دعوة للسير في جنازتي»، فمن يتنازل عنها أو عن جزء منها مصيره الحتمي الموت، وإذا كان الصهاينة لا يعترفون بالأقصى بل يعتبرون انّ إزالته من شأنها ان تقود الى الهيكل المدمر وفق معتقداتهم، ويعتبر في حسابات نتنياهو جزءاً لا يتجزأ من القدس عاصمة «إسرائيل».
لقد فتحت اتفاقية أوسلو الباب أمام العديد من الدول لكي تقيم علاقات مع الكيان الصهيوني، وحققت هذه الاتفاقية عدة فوائد للكيان حسب دراسة نشرت بالعبرية عام 1996 منها تخفيف العبء الأمني والعسكري على الاقتصاد «الإسرائيلي» وزيادة صادراته الى دول مقاطعة سابقاً، وانخفاض كلفة الاقتراض من البنوك الدولية والمؤسسات المالية بسبب انخفاض منسوب الخطر، وتدفق الاستثمارات الأجنبية المباشرة.
أمام كلّ ذلك عارض نتنياهو «أوسلو» وطرح «السلام مقابل السلام»، لأنه يريد ان يكون الكيان «الإسرائيلي» هو المركز المسيطر على المحيط التابع بنظره لتحقيق هيمنته على الشرق الأوسط بالقوة وبالإبادة الجماعية إذا اضطر الأمر، ويدعو الى قطع الصلة بالماضي، وإعادة هيكلية النظام الإقليمي الجديد بحيث تكون الريادة والقيادة لـ «إسرائيل»، من هنا تأتي إعادة إحياء مشروع الشرق الأوسط ليكون حصيلة تقاطع مشروعين على الأرض العربية هما الصهينة من جهة والعولمة من جهة أخرى بعد عدم تحقيق «وثيقة كيفونيم» 2002 التي قدّمها شارون الى بوش الإبن، والتي تحمل عنوان «اتحاد دول الشرق الأوسط» وهي مشروع لتفكيك جامعة الدول العربية واستبدالها بـ «اتحاد الدول الشرق أوسطية» الذي تتمتع تركيا و»إسرائيل» بعضويته وتشترك الولايات المتحدة الأميركية فيه بصفة مراقب.
انّ التداخل بين مشروع الصهينة ومشروع العولمة وبين التطبيع والتمويل الأجنبي يؤدي الى أن يصبح الكيان الصهيوني متخصّصاً في إنتاج السلع التكنولوجية والمتقدّمة، فيما يتحوّل العالم العربي الى سوق لهذه السلع، والى تصدير المواد الخام لتحقيق هذه الغاية المنشودة، وتصبح الاحتياطات الضخمة من رؤوس الأموال العربية المودعة في الغرب في صناديق استثمارية يديرها يهود، ويتمّ تشغيلها بما يتلاءم مع مشروع الامبراطورية الاسرائيلية في المنطقة.
كما يتمّ توظيف قدرات «إسرائيل» التكنولوجية وعلاقاتها الوثيقة مع الكتلة الغربية الصناعية المتطورة مع عناصر عربية ثلاث،اليد العاملة والموارد البشرية والثروة المالية.
انّ مشروع الشرق الأوسط يقوم ايضاً على دعامتين الاولى إبراز النزاعات الطائفية والعرقية وتشكيل دويلات متناحرة والثانية تفجير الصراعات.
يجد الكيان الصهيوني في طرح الشرق أوسطية انتماء يؤدي معه الى تحقيق غاية التطبيع وإنهاء المقاطعة العربية له وإدخاله في نسيج المنطقة العربية وتحقيق الاندماج معه وفتح الباب نحو استرخائه.
لا يستطيع نتنياهو تحقيق مشروع شيمون بيريز – الشرق الاوسط الجديد- بالقوة والهيمنة العسكرية لأنه لا يستطيع احد ان يقطع صلة المواطن في العالم العربي بماضيه، كما لا تستطيع الصهيونية وضع حدّ لمعاناة الموا طن في العالم العربي وآلامه وتضحياته…