تحقيقات ومناطق

أهالي قرى غربي بعلبك يرفعون الركام بحثاً عن الذكريات.. وأسوار القلعة وبيوتها التراثية شاهدة على همجية العدوان

عبير حمدان

 

نعود إلى بعلبك وقراها بعد «النزوح القسري» وندرك أنها جبهة متقدمة للمقاومة، نبحث عن بيوت نعرفها وباتت ركاماً وعيون حبست الدموع بانتظار تحقيق وعد سيد الشهداء بأننا قطعاً سننتصر.
على مدى أكثر من ستين يوماً لم تكتف بعلبك أن تكون خزاناً للمقاومة، بل تخطت التسمية لتصبح بقاع التصدي والصمود وقدّم أهلها الذين اختاروا البقاء في بيوتهم الدماء والشهداء على طريق القدس ودفاعاً عن لبنان.
مشاهد الدمار لا تلغي فعل الحياة والوجود على امتداد قرى غربي بعلبك التي تستمرّ في استقبال أقمارها وتشييعهم على إيقاع الحزن المجبول بالفخر بأنّ من خرج حياً من هذه الحرب سيحفظ كيف تُصان الأرض بالقوة والثبات مهما غلت التضحيات.
قد لا تكفي كلمات العزاء والمواساة ويصبح السؤال عن كيفية الصمود فارغاً من مضمونه مقابل التعابير التي نسمعها من أهالي القرى، ولعلّ أبلغ ما يمكن تدوينه في الذاكرة «عم دور على الذكريات» وفق تعبير «أم علي» التي شاركتنا ذكرياتها واخبرتنا أنها تحاول انتشال الكتب والملابس التي كانت قد جهّزتها لأطفالها قبل الحرب استعداداً للعام الدراسي وهي لم تسدّد ثمنها بعد.
ترتفع صورة كبيرة لأربعة من الشهداء وترحب بنا زوجة أحدهم قائلة «انظروا إلى شبابنا الذين يستقبلون الزوار، وهل هناك من هم أجمل من شهدائنا».
لعله الإيمان بأنّ دماءهم أنبتت النصر، وبأنّ عقيدتهم راسخة هو الذي يمنحها القوة لتروي كيف أقتنع طفلها «حيدر» بأنّ والده وأعمامه أحياء يرزقون وهو الذي عاش حلماً وصفته بالرؤيا لتقصّ علينا ما رآه «كان في المنزل قبيل استهدافه وعانق أباه بقوة ثم غادر وبعدها شنّت طائرات العدو الغارة فرأى كيف استشهد والده وأعمامه وحفظت ذاكرته مشهداً يحفزه على السير في نفس الطريق حتى النصر او الشهادة».
حجم الذكريات التي ابتلعها ركام البيوت كبير ومن الصعب تأطيره او توصيفه، ففي كلّ بيت حكاية عمر ممهور بالصبر ودمع وحزن مؤجّل وصوَر زيّنت الجدران وكأنها تخبر الوافدين إلى بعلبك وقراها أنّ هذه البقاع لم ولن تبخل يوماً في سبيل الوطن.
أسوار قلعة بعلبك ومبنى المنشية وأجزاء من البيوت التراثية شاهدة على همجية العدو وتقاعس الهيئات الدولية وغيابها وعدم جدواها حين يتصل الأمر بالكيان المحتلّ الذي جعل من البشر والحجر اهدافاً له.
تضجّ شوارع مدينة بعلبك بالحياة، وقد بدأت الجهات المعنية برفع الركام حيث تنشط الورش والعاملين لإعادة بناء ما تهدّم، ولسان حال الأهالي أنه رغم قسوة الحرب كثر لم يتركوا المدينة لثقتهم بأنّ هذه الفترة العصيبة ستمرّ ويجب أن يبقى خلالها من يصون الأرزاق والبيوت كجزء من مبدأ المقاومة الشعبية.
قد لا تكفي جولة واحدة لنقل واقع القرى سواء في غربي او شرقي أو شمالي بعلبك وصولاً إلى أقصى البقاع، ولكن تبقى الصور وثيقة للتاريخ لتؤكد بأنّ الجبهات مفتوحة في وجه العدو سواء كانت على حدود فلسطين المحتلة او بعيدة عندها مئات الأمتار… والصراع الوجودي قائم.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى