أخيرة

نعود إلى «ديرته»… نضيء الشموع ونتلو النذور / وجه الضاحية حزين لكنه عصيّ على الضيم ولسان حالها «السيد ما مات»

احمد.. السيد ما مات
الرويس
الكفاءات
المريجة
حارة حريك
شارع عبد النور

 

عبير حمدان

 

يخترق القلب ذاك النور المنبعث من قلب الأرض، ويتشكل نجماً لا تطاله يد الشر لكنه يعيش فينا إلى ما لا نهاية.
وجه الضاحية حزين ونزفها عميق، هنا حيث نبحث عن روحنا التي عرجت الى السماء فداء لأمة قد تحتاج دهراً لاسترجاع هويتها ولغتها وفعل القوة الكامن فيها.
كيف لنا أن نتعايش مع فكرة الغياب ونحن الذين عاصرنا زمن صانع الانتصارات وسيد القول والفعل وكيف نخبره عن حجم الضيم وهول الخسارة، وما هو مفهوم الانتصار إن لم يقترن بخطابه المنتظر؟!
قبس من نور يؤسس الوعي المبكر لأجيال لن تنسى حقها في الصراع رغم كل ما يحيط بنا من ويلات بمسمّيات مختلفة، قبس من نور يحاكي العقول ليؤكد أن الحرية عمادها الكرامة والتصدي والصمود وتحديد العدو دون خوف، ولن نخاف لأننا ابناء وطن قدم خيرة شبابه شهداء على طريق التحرير الحقيقي.
ويسألنا العالم ماذا نقول للسيد حين نزوره، وكيف يمكن لنا أن نقف هنا وسط الدمار…
نحن نقف هنا لنجد ذاتنا في صدى الصوت وفي مفاصل الكلام وفي وعده الصادق وطيفه الحاضر، نحن هنا لأنه أراد لنا أن نعود الى «ديرته» لنمسح عن جبينها الرماد ونضم شوارعها بقوة ونرفع الرايات..
نعم هي «ديرته» حيث يتقدس التراب، يصبح مزاراً، وحيث نضيء الشموع ونتلو النذور، وحيث يقول «أحمد» إبن السنوات الخمس لحظة الوصول «السيد ما مات، عم يضوي علينا من الأرض» فكيف نقنع هذا الطفل الذي كبر قبل أوانه وحفظ في ذاكرته المصطلحات المرتبطة بالحرب أنّ السيد قد ارتقى شهيداً وهو يراه البطل الخارق الذي يواجه الظلام وصواريخ الحقد وحين يرفع إصبعه يهتز العالم كله…
بل كيف نقنع أنفسنا بأنه لن يطلّ علينا ليقول كلّ ما نفكر فيه وهو الذي كان لسان حالنا وأحوالنا، وهو الذي عرف كيف نفكر وكيف ننفعل ونعبّر لا بل أكثر، هو الذي سكن بيوتنا وخاطب وجداننا واستطاع إن يتلقف خوفنا ويمنحنا الاطمئنان والأمان بحيث كنا نستمدّ من مبسمه قوتنا ويقيننا..
«ليس من البطولة أن تبقى في دائرة الخطر» هذا ما كانت تقوله «روزا عبود» لنفسها قبيل اندلاع الحرب وهي التي تحفظ في ذاكرتها عدوان تموز رغم أنها كانت بعمر صغير، لكن حين نزحت ليوم واحد إلى وسط بيروت وباتت ليلتها مع أهلها في السيارة على الرصيف ورأت ما يعانيه الناس الذين تركوا بيوتهم وافترشوا الأرض قرّرت أن تبقى في بيتها رغم الخطر.
وتقرّ عبود أنّ القرار لم يكن سهلاً لكن في داخلها شعرت أن البقاء مواجهة وتشارك مع الآخرين الذين لم يتمكنوا من النزوح، مؤكدة «شيء في داخلي حفزني على الاستمرار وعدم الهروب وبالطبع انا لا ألوم من اختار تجنب المجازفة فلكلّ إنسان ظروفه، وفي النهاية بقيت في بيتي وعملي وفي ذلك صمود أعتز به».
أما «سارة» فقد اختارت تجنّب المجازفة كونها أمّ لطفلين ولعلها كانت محقة كونها تقيم في محيط المريجة ـ الكفاءات وبيتها تضرّر كثيراً مما اضطرها الى البحث عن بديل إلى حين إعادة تأهيله مع تأكيدها أنّ كل شيء مادي يتمّ تعويضه والأهمّ الحفاظ على الأرواح.
علي واخوته لم يغادروا الضاحية إنما ارسلوا عائلاتهم إلى مناطق آمنة، وبحسب تعبيرهم كان من الضروري أن يبقى من يحمي البيوت والأحياء من أيّ محاولة تسلل للعابثين والسارقين، وهذا ما فعلوه طوال ايام الحرب، إضافة الى أنّ متطلبات الحياة تحتم عليهم الاستمرار في أعمالهم ومصالحهم رغم صعوبة الأمر.
اليوم وبعد أقلّ من شهر على وقف إطلاق النار، الذي يخرقه العدو بأصوات المُسيّرات، عادت الحياة تدريجياً إلى الضاحية الجنوبية لبيروت بانتظار رفع الركام وتسجيل الأضرار من قبل الجهات المعنية والبدء بإعمار «ديرة السيد حسن» العصية على الضيم ووجه الوطن المقاوم.

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى