أولى

لا بدّ من «عين التينة» وإنْ طال السفر…

 

أحمد بهجة

 

لا يستطيع أيّ مراقب أو مشارك في الشأن العام اللبناني أن يتجاهل أو يُنكر الدور الوطني الكبير الذي يقوم به رئيس مجلس النواب الأستاذ نبيه بري.
حتى مَن هم خصوم في السياسة، وليس فقط من هم حلفاء وأصدقاء، يعتبرون أنّ الرئيس بري يُمثل صمّام أمان وطني للبنان واللبنانيين، خاصة من خلال حرصه على انتظام عمل المؤسسات، وسعيه الدائم لتحقيق هذا الانتظام وإطلاقه بشكل مستمرّ المبادرات الخلّاقة التي لم تكن في السابق تلقى التجاوب المطلوب من عدة أفرقاء، إما نتيجة مزايدات في ما بينهم، وإما لارتباط بعض هؤلاء الأفرقاء بأجندات خارجية كانت تضع العراقيل أمام أية حلول داخلية لبنانية.
أدرك الرئيس بري بخبرته الطويلة أنّ المجلس النيابي اللبناني لا يستطيع انتخاب رئيس للجمهورية بمنطق التحدي، لا السياسي ولا الطائفي أو المذهبي، بل هناك حاجة دائمة إلى التوافق ولو في الحدّ الأدنى. هذه قاعدة عامة لكنها تنطبق بشكل خاص على المجلس النيابي الحالي الذي يضمّ فسيفاء من الكتل والنواب المستقلين بما لا يعطي أيّ فريق الأكثرية المطلوبة التي تغنيه عن التفاهم مع الآخرين، بل تفرض على الجميع التحاور والتلاقي للوصول إلى ذلك الحدّ الأدنى الذي يسمح للمؤسسات بالعمل والإنتاج.
ولأنّ رئيس المجلس أدرك هذه الحقيقة الواضحة، وبعدما دعا إلى جلسات عديدة لانتخاب رئيس للجمهورية من دون نتيجة، طرح عقد حوار بين الجميع للوصول إلى قواسم مشتركة، بداية بشأن انتخاب رئيس الجمهورية، وبعد ذلك في استكمال عقد المؤسّسات انطلاقاً من التفاهم على تشكيل حكومة جديدة، ثم إنجاز التعيينات في المراكز الإدارية الشاغرة، وإتمام الانتخابات البلدية والاختيارية المؤجلة منذ ثلاث سنوات، وبعد ذلك التحضير للانتخابات النيابية المقبلة في ربيع العام 2026.
ويعرف الجميع أنّ القيام بهذه الخطوات الأساسية يخرج البلد من خانة التعطيل، ويسمح بإجراء بعض الإصلاحات السريعة ووضع الأسُس للإصلاح الشامل المطلوب، خاصة على صعيد عودة العمل في القطاع المصرفي ومدى الحاجة لاستعادة الثقة بهذا القطاع بعد تبيان كلّ حقائق المرحلة السابقة وتحديد المسؤوليات بشكل دقيق ومحاسبة ومحاكمة مَن ارتكبوا المخالفات التي تصل إلى حدّ الجرائم بحق الناس والبلد بأسره.
وطبعاً هناك حاجات ماسة إلى أقصى حدّ للعمل والتطوير في كلّ القطاعات الخدماتية مثل الكهرباء والمياه والطرقات والاتصالات…، والنهوض بقطاعات الإنتاج الأساسية في الزراعة والصناعة والسياحة والخدمات…
هذه الأمور أيضاً ليست غائبة عن الرئيس بري الذي بحث خلال لقائه مع مدير البنك الدولي في قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا جان كريستوف كاريه، في مشاريع وبرامج إعادة الإعمار ورفع الأنقاض وإعادة بناء وتأهيل البنى التحتية والمنشآت الصحية والتربوية والاقتصادية والصناعيه والزراعية والمؤسسات الرسمية.
وحين استفسر رئيس المجلس عن تفاصيل الخطة التي يعمل على إعدادها البنك الدولي، أكد وجوب أن تشمل هذه الخطة استصلاح الأراضي وتأمين قروض للمزارعين والصناعيين وأصحاب المهن الصغيرة بما يمكنهم من النهوض مجدّداً وبفترة لا تتجاوز نهاية العام الحالي…
إذن… يلمس اللبنانيون إصرار الرئيس بري على إنجاز الاستحقاق الرئاسي في جلسة 9 كانون الثاني المقبل، ومع السعي لتحقيق هذا الإنجاز، حِرصٌ على أن يُستتبعَ بانطلاق عجلة الاقتصاد مجدّداً، وهذا بلا شكّ موضع اتفاق مع حزب الله، حيث التعاون والتنسيق بين الثنائي الوطني وسائر الحلفاء على ضرورة أن تكون المرحلة المقبلة مرحلة استقرار ونهوض، وبذل الجهود اللازمة لإعادة إعمار وبناء ما تهدّم نتيجة العدوان الصهيوني الغاشم والبربري على لبنان. وكذلك تأكيد أولوية وضع حدّ للانتهاكات التي يقوم بها العدو الصهيوني لاتفاق وقف إطلاق النار، وهذه مسؤولية وطنية إضافة إلى أنها مسؤولية الدول والجهات التي تتكوّن منها اللجنة المشرفة على تطبيق الاتفاق.
وهناك ضرورة أن يشمل التوافق الداخلي أيضاً مسألة تحصين لبنان في مواجهة أيّ تداعيات سلبية لما يحصل من تطورات في المنطقة، لا سيما في سورية التي استغلّ العدو الصهيوني أحداثها الأخيرة وقام جيشه بالتوغل لمساحات كبيرة داخل الأراضي السورية وبتدمير مقدّرات عسكرية استراتيجية للجيش السوري، بما يجعل التهديد على لبنان مضاعفاً، وهذا يستدعي طبعاً التمسكّ بعناصر قوة لبنان وأوّلها معادلة «الجيش والشعب والمقاومة» التي تبقى العامل الأبرز لحماية البلد من أيّ خضات أو تداعيات محتملة…

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى