الشرُّ مرّ من هنا
![](https://www.al-binaa.com/wp-content/uploads/2024/12/elias-akher-el-kalam.jpg)
كان «رسّام الحارات القديمة» يرفض أن يقيم معرضاً للوحاته، والسبب، كما يقول، إنّ اللوحة التي يريد أن يرسمها لم تأتِ بعدُ.
وكان صباحٌ، وكان مساءٌ، وكان أنِ اقتحم المغول الحاراتِ الدافئةَ في غزّةَ، في ضاحية بيروتَ، في النبطية، وفي غيرها من الأماكن الحميمة، فدمّروا، وأحرقوا، وقتلوا، معيدين إلى الذاكرة مشهد «هولاكو» البربري الذي صار، عبر التاريخ، رمزاً للتوحش.
هال «رسّام الحارات القديمة» ما حدث! شعر أنّ كبرياءه قد مُسّت، ولكنه شعر أيضاً أنّ اللوحة التي كان يبحث عنها قد وجدها، وكلّ ما عليه الآن أن يتوجّه إلى ذلك البيت الجنوبي الذي رسمه قبل أيام، وصار اليوم ركاماً.
حمل عدّة الرسم، وبعد ساعة كان يقف أمام كومة من الحجارة المحروقة. رسم المشهد، ومهره بتوقيعه، وكتب في أسفل اللوحة: الشرُّ مرّ من هنا.
بعد أيام أقام «رسّام الحارات القديمة» معرضاً، وكان الناس يتوقفون مليّاً أمام لوحتين: لوحةِ البيت الجنوبي العتيق المحاصر بأشجار البرتقال وشقائق النعمان، ولوحةِ البيت ذاتِه وقد صار ركاماً.