أولى

المقاومة المجدية: مقاطعة شعبيّة لمنتجات حلفاء «إسرائيل»

 

 د. عصام نعمان*

 

للغرب الأطلسي، الأميركي – الأوروبي، وللكيان الصهيوني الدور الأول والأفعل في زعزعة الاستقرار في عالم العرب، لا سيّما في مشرقه. هما يتصارعان مع تركيا وإيران على النفوذ والمصالح في منطقة غرب آسيا الممتدة من شواطئ البحر المتوسط جنوباً إلى بحر قزوين شمالاً.
في مواجهة الغرب الأطلسي والكيان الصهيوني تتصدّى قوى مقاوِمة عربية متعددة المذاهب والمشارب. أقدَمها تاريخاً وتجربةً المقاومةُ الفلسطينية بشتّى فصائلها. أقواها ممارسةً ومثابرةً المقاومةُ اللبنانية المتمثلة بحزب الله وحلفائه من الأحزاب القوميّة والإسلاميّة.
تعرّضت قوى المقاومة العربية أخيراً إلى ضربة قاسية نتيجةَ نجاح الولايات المتحدة الأميركية، بالتوافق مع تركيا وفصائل مسلحة إسلامية الهوى والهوية، في ممارسة ضغوط سياسية وميدانية شديدة أدّت إلى انهيار النظام السياسي السوري وتنحّي رأسه، بشار الأسد، ورحيله إلى روسيا.
نجمت عن انهيار النظام السوريّ جملةُ تداعيات وتحديات، لعل أبرزها وأخطرها ثلاثة:
أولاها، تفكيك وحدة سورية بما هي “قلب العروبة النابض”، كما كان يحلو لجمال عبد الناصر أن يدعوها، الى عدّة كيانات ومناطق تسيطر عليها، كليّاً أو جزئياً، اثنتان أو ثلاث من طوائف سورية الست والعشرين.
ثانيتها، قيام “إسرائيل” باحتلال قرى وبلدات ومواقع حاكمة في جنوب سورية تربو مساحتها على نحو خُمس المساحة الإجماليّة للبلاد ما أدّى، بالإضافة الى تداعيات أخرى، إلى تعطيل نشاط المقاومة على جبهة لبنان المواجهة لـِ”إسرائيل” في شمال فلسطين المحتلة.
ثالثتها، توافر بوادر صراع مصالح وتوجّهات بين الولايات المتحدة وتركيا من جهة، والقوى الوطنية السورية والعربية من جهة أخرى على إعادة تشكيل سورية دولةً وهويةً وتوجّهاً حضارياً.
هذه التداعيات والتحدّيات لا تشكّل تهديداً لأمن سورية القومي وسيادتها فحسب، بل للأمن القومي العربي أيضاً ما يتطلّب ارتفاع القيادات المسؤولة جميعاً، حاكمين ومعارضين ومقاومين، إلى مستوى الأخطار المحدقة بسورية كما بالأمة واتخاذ المواقف والتدابير العملية الكفيلة بمواجهتها والتغلّب عليها. لذا يقتضي أن تدرك القوى الوطنية عموماً وقوى المقاومة الفلسطينية والسورية والعربية خصوصاً أنّها ليست في مواجهة ضارية ضدّ الكيان الصهيوني العدواني فحسب، بل في مواجهةٍ غير مباشرة أيضاً مع الولايات المتحدة الأميركية وحلفائها الإقليميين وأذرعتها المحليين. ذلك كله يستدعي، في ضوء ما جرى ويجري، استخلاص الدروس والعِبر والشروع تالياً في وضع استراتيجية جديدة متكاملة للمقاومة العربية، قطرياً وقومياً، تراعي الحقائق والمتطلّبات الآتية:
أولاً: السلاحان الأمضى للعدو الصهيوـ أميركي: التفرقة والاقتصاد
تنطوي كينونة معظم بلدان المشرق العربيّ على تعدّدية عميقة ومؤثّرة ما حمل دول الغرب الأطلسي، لا سيما الولايات المتحدة، على اعتماد التفريق والتمزيق نهجاً لتفكيك كلٍّ من لبنان وسورية والعراق إلى مجموعة كيانات ترسو على أسس مذهبية او أثنية أو قَبَلية تتنازع في ما بينها ليسهل على أميركا كما على “إسرائيل” السيطرة عليها. إلى ذلك، حرصت الولايات المتحدة على استخدام الاقتصاد والحصار الاقتصاديّ وسيلةً لإضعاف البلدان العربية المستهدَفَة. ولعلّ أفعل وأخطر وسائلها في هذا المجال “قانون قيصر” الذي حرّم على الدول والشركات والهيئات والأفراد التعامل مع سورية تحت طائلة عقوبات اقتصادية وجزائية وسياسية تُفرَض على المخالفين. وقد فعل هذا الإجراء العقابي فعلَه في سورية (إلى جانب الفساد الهائل المستشري) ما أدّى الى إفقار البلاد وتحويل جيشها، ضباطاً وجنوداً، إلى جماعة من الجياع فاقدي الإرادة والقدرة على القتال.
ثانياً: ضرورة مقاومة أميركا بالتزامن مع مقاومة “إسرائيل”
تنشط المقاومةُ ضدّ “إسرائيل” حاليّاً بأشكال متعدّدة وبدرجات متفاوتة من الفعاليّة. غير أنّ ذلك وحده لا يكفي للحدّ من ضراوة الهجمة التي تشنّها “إسرائيل” بدعمٍ سافر من الولايات المتحدة ما يستوجب مقاومة أميركا بالتزامن مع مقاومة الكيان الصهيونيّ. صحيح أنّ الولايات المتحدة دولة كبرى قوية وغنية ومسيطرة في أنحاء ومواقع شتى في العالم، لكن ذلك لا يحول دون التصدّي لها ومواجهتها ودحرها. ألم تُهزم في أفغانستان واضطرت إلى الانسحاب منها بصورة مهينة؟ ألم تُضطر، قبل ذلك، إلى سحب قواتها المحتلة من العراق سنة 2009 تحت وطأة مقاومةٍ فاعلة ومتصاعدة من العراقيين الأحرار؟ نعم، تستطيع فصائل المقاومة العربية مقاومة أميركا ومشاغلتها في ساحات عدّة وإلحاق الأذى بها وإرهاقها. ذلك أن لا سبيل إلى إلحاق هزيمة كاسحة ونهائية بالكيان الصهيوني إلّا بنجاح الفلسطينيين والعرب بإلحاق أضرار وخسائر فادحة بأميركا تشعر جرّاءها بأنّ “إسرائيل” باتت عبئاً ثقيلاً عليها.
ثالثاً: المقاومة المُجدية هي المقاطعة الشعبيّة لمنتجات حلفاء “إسرائيل”
في الصراع حاليّاً ما زال ميزان القوى مائلاً لمصلحة العدّو الصهيوـ أميركي. ذلك يستوجب، في ضوء التطوّرات الميدانية والسياسية الأخيرة في لبنان وسورية، إعادة النظر باستراتيجية قوى المقاومة العربية على نحوٍ يؤدي إلى اعتماد المقاومة المدنية بالدرجة الأولى والتركيز عليها. ذلك لا يعني التخلي عن المقاومة الميدانيّة بل إعطاء الأولوية للمقاومة المدنية لأنه، في حال اعتماد المقاطعة الشعبية لمنتجات دول الغرب الأطلسي المتحالفة مع “إسرائيل”، تصبح المقاومة المدنيّة أوسع وأفعل من المقاومة الميدانيّة.
لتفعيل المقاومة المدنيّة، وجوهرها المقاطعة الشعبية لمنتجات دول الغرب الأطلسي المتحالفة مع “إسرائيل”، مسوّغات وشروط أبرزها أربعة:
أ ـ أرجحيّة نجاحها لأن لا قدرة البتة للسلطات الحاكمة الممالئة للعدو الصهيوـ أميركي على أن تملي على المواطنين وسائر السكان رغبات وأذواق دون غيرها ما يتيح لهم حرية واسعة في شراء منتجات معيّنة أو الامتناع عن شراء واستهلاك منتجات أخرى.
ب ـ إنّ من شأن المقاطعة الشعبيّة لمنتجات الدول المتحالفة مع العدو تشجيع المنتجات الوطنية وتسويقها واستهلاكها الأمر الذي يعزّز الاقتصاد الوطنيّ بكل مرافقه.
ج ـ إنّ فعاليّة حملة المقاطعة الشعبية لمنتجات الدول المتحالفة مع العدو الصهيوـ أميركي تتوقف على مدى اتساعها الأمر الذي يستوجب أن تكون بشتى فعالياتها على مستوى الوطن العربي برمّته.
د ـ كلّ ما تقدّم بيانه يستوجب أن تكون لحملة المقاطعة الشعبية المطلوبة قيادة عربية مركزية عليا وقيادات قطرية متفرّغة لأفرعها الممتدّة على مدى عالم العرب، على أن تكون كلها مستقلة تماماً عن السلطات الحاكمة وقادرة على الصمود والمثابرة.
إنّ عدم الاستهانة بأهمية المقاطعة الشعبية لمنتجات الدول المتحالفة مع العدو الصهيوـ أميركي مبنيّ على وجود طاقات بشرية عربية مليونية مستهلِكة لآلاف ملايين الأطنان من مختلف أصناف المنتجات الأجنبية المدرّة على صانعيها ومسوّقيها الأجانب ودولهم من المداخيل والضرائب تريليونات الدولارات من جهة، ومن جهة أخرى لأنّ مردودها العملي أيضاً سيكون بالتأكيد كبيراً جداً على الصعيد السياسيّ والاقتصاديّ والمعنويّ ما يعزّز قدرات العرب على مواجهة العدو والتغلب عليه في زمنٍ تشكو فيه الولايات المتحدة ودول أوروبا الغربية المتحالفة معها تداعيات سلبية عالية التكلفة لمفاعيل تضخم inflation اقتصاداتها المنهَكَة.
عسى ألّا يفوّت المقاومون والنهضويّون العرب على فلسطين وشعوب الأمة هذه الفرصة الثمينة.

*نائب ووزير سابق
[email protected]

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى