نقاط على الحروف

المشروع الإسرائيلي والمشروع التركي

 

 ناصر قنديل

 

– يسأل الكثير من المحللين الأتراك في مقالاتهم هذه الأيام عن طبيعة الموقف الأميركي من المشروعين التركي والإسرائيلي، في ضوء ما شهدته سورية من تغييرات جيوسياسية كبرى، أحدثت زلزالاً في المنطقة ورمت بثقلها فوق العلاقات الإقليمية والدولية، وكانت تركيا اللاعب الأبرز في صناعتها، ويتحدّث الأتراك عن حالة إحباط في انقرة تجاه ما يسمونه بالجحود الأميركي والاسرائيلي تجاه ما حققته تركيا وانعكس أرباحاً دون تكلفة لكل من الجانبين الاأميركي والإسرائيلي، سواء لجهة إزاحة نظام كانت واشنطن وتل أبيب تكرران الرغبة باسقاطه دون امتلاك خريطة طريق لتحقيق ذلك، أو لجهة إضعاف روسيا وحضورها في غرب آسيا، أو إخراج إيران من سورية، ومحاصرة حزب الله عبر البوابة السورية وقطع خط إمداده، وسبب الإحباط هو التوقعات التركية بأن تكون المكاسب التركية المرتقبة موضع ترحيب أميركي إسرائيلي، سواء لجهة إنهاء الحالة الكردية المسلحة شرق سورية، أو لجهة رفع العقوبات عن سورية وإنهاء تصنيف هيئة تحرير الشام على لوائح الإرهاب، والمساعدة على توفير مناخ مساعد لضمان نجاح قيام نظام جديد في سورية تدعمه تركيا، بينما تبدو واشنطن وتل أبيب وقد حصدتا مكاسبهما، تريدان ابتزاز تركيا في كل خطوة مطلوبة، بل إن أنقرة تعتبر أن التحركات الإسرائيلية جنوب سورية واستهداف مقدرات الجيش السوري بالطريقة التي تمّت بها، استفزازاً متعمداً لتركيا عبر إحراج الحكم الجديد في سورية والتسبب بإضعاف صورته أمام الشارع السوري الشديد الحساسية تجاه الصراع مع “إسرائيل”، خصوصاً أن الجولان السوري تحت الاحتلال وتل أبيب مدعومة من واشنطن أعلنت ضمّه إليها، بينما لا تشير التصريحات الخاصة بالعقوبات او بالعلاقة مع الجماعات الكردية الى ان الأمور تسير كما ترغب أنقرة.

– يقول الأتراك إن أنقرة تنتظر ما بعد تسلّم الرئيس دونالد ترامب لمهامه، لتختبر معاني إعلانه عن ما يشبه تفويض تركيا في سورية، وهل يشمل ذلك مستقبل العلاقة بالجماعات الكردية، والوجود العسكري الأميركي في سورية، كما كانت تقول المواقف السابقة لترامب، أم أن الأمور سوف تتغير، ومصدر القلق يعود من جهة لما يستشعره الأتراك من ضغوط تستعدّ لها الدولة العميقة في واشنطن، خصوصاً من البنتاغون والدعوات الى زيادة القوات الأميركية في سورية والتركيز على الحفاظ على خصوصية الجماعات الكردية المسلحة في أي صيغة جديدة لسورية، بصورة تجعل سورية شبيهة بالعراق لجهة النظام الفدرالي وبقاء قوات كردية مستقلة ومعها سيطرة كردية على موارد نفطية، ومن جهة ثانية تخشى أنقرة أن يؤدي التزام ترامب بأولوية المصالح الإسرائيلية على أي شيء آخر، الى اعتبار التوسع الإسرائيلي نحو جنوب سورية والحفاظ على البنية الكردية العسكرية كحليف مفترض لـ”إسرائيل” جزءاً من الأمن الاستراتيجي لتل أبيب الذي يحظى بدعم ترامب، خصوصاً أن ترامب سبق وتحدث عن حاجة إسرائيل لمزيد من الأراضي ولا شيء يمنع أن تطالبه تل أبيب بمباركة التوسع في سورية من هذه الزاوية، والأخطر برأي أنقرة أن يرافق هذا التحول في الخطاب الأميركي ربط إلغاء العقوبات ورفع تصنيف هيئة تحرير الشام عن لوائح الإرهاب بشروط تعجيزية لإخضاع أنقرة ودمشق لهذه الشروط، ويقول الأتراك إنه لن يكون موقف أنقرة في هذه الحالة انهزامياً وقد وضعت كل رصيدها في هذه الحملة نحو سورية، وإن أنقرة بدأت عبر رئيس هيئة الحكم في دمشق بتوجيه رسائل إيجابية نحو موسكو وطهران بسبب خشيتها من الانقلاب الأميركي.

– يستبعد المحللون في واشنطن أن تكون عملية رفع التصنيف عن لوائح الإرهاب سهلة، خصوصاً أنها تمّت عبر الأمم المتحدة، وربطت توثيق انتهاكات حقوق الإنسان وملفاً قضائيّاً لا يمكن تجاهله، وفي الأمم المتحدة ليست واشنطن لاعباً وحيداً، ورفع العقوبات يرتبط بإلغاء التصنيف، لأنه لا يمكن رفع العقوبات التي فرضت بسبب انتهاكات نظام حكم لحقوق الإنسان دون أن يتمّ تصنيفه إرهابياً، وقد حل مكانه نظام حكم مصنفاً إرهابياً، ولذلك يعيد الأميركيون التذكير بمضمون قانون العقوبات والضوابط التي يتضمنها لرفع العقوبات، ومنها تطبيق القرار 2254، وحقوق المرأة، ومشاركة جميع المكونات السورية في الحكم، وانتخابات نيابية ورئاسية وفقاً لدستور جديد، وقد أضيف إليها الآن إلغاء تصنيف الإرهاب عن الجهة الحاكمة، وإذا كان مسار الدستور والانتخابات سوف يستدعي، كما قال رئيس الهيئة الحاكمة سنوات تمتد إلى أربع، فإن مسار رفع العقوبات لن يكون أقصر، ويفضل أن تطلبه حكومة منتخبة تتمثل فيها كل الأطياف السورية ويكون للأكراد كلمة وازنة فيها.

– في تل أبيب تأكيدات على التمسك بحرية الحركة في سورية، حتى حدود العاصمة دمشق، وتمسّك بالسيطرة على جبل الشيخ والهضاب التي تقع في سفوحه، باعتبارها حزاماً أمنياً ضرورياً لأمن “إسرائيل”، وهذا كان حلماً تاريخياً للمؤسسة العسكرية الإسرائيلية التي كانت تعتبر أن الجولان هو عيون وآذان الكيان والرئة التي يتنفس منها، لكنها كانت تتقاسم المرتفعات مع الدولة السورية، ولذلك تشعر بالقلق المستمر، أما وقد صار ممكناً احتكار السيطرة على المرتفعات فلا تراجع عن ذلك. وإذا اقتضى ضمان الاستقرار هناك تحويل سهل حوران إلى منطقة عازلة فلا مانع من تهجير بضعة آلاف هم سكان القرى والبلدات التي تعيق هذا المشروع.

– كل ذلك يقول إن شهر العسل بين الثلاثي التركي الأميركي الإسرائيلي في سورية الذي ينتهي في 8 كانون الثاني، قد لا يكون قابلاً للتجديد بعد هذا التاريخ، خصوصاً أن تطلع تل أبيب نحو “إسرائيل” الكبرى، يقابله تطلع أنقرة نحو العثمانيّة الجديدة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى