«لا تمرُّ موهبةٌ دون عقاب»
أدهشني محمد الماغوط وأنا أقرأ له: «لا تمرّ موهبة دون عقاب»، فتراءت أمامي مشاهد الموت، بدءاً من سقراط وابن المقفع والحلّاج، وانتهاءً بأنطون سعاده.
فسقراط جُرّع السُّمَّ، وابن المقفّع دُفنَ حيّاً في بئر، والحلّاج صُلب على أبواب بغداد، وأمّا سعاده فما زال دمُه نازفاً على رمال بيروت.
هؤلاء وغيرُهم ساهموا في تحرير مجتمعاتهم من الجهل، ونزعوا الأكفان عنها، عسى أن يكون العالم أجملَ، وأرحبَ، وأكثر إبداعاً ومعرفةً وحرّيّةً.
هذا العالم الجميل، والرحبُ، والعارفُ، والمبدعُ، والحرّ، لا يرتاح إليه كرادلة الفكر، ولا يستسيغه سلطانٌ جائرٌ، ولا يُرضي حرّاس الطقوس الوثنية، فكان لا بدَّ من حكم بالموت على من تجرّأ وحرّك المياه الراكدةَ، وألغى حالة الاستنقاع المزريةَ المهيمنة على عقول الناس.
ولو لم يكن الأمرُ كلَّ ذلك، لما فشل العرب، بعد خمس وسبعين سنةً على النكبة الفلسطينية، في مواجهة الكيان الصهيوني، ولما انتصب جدار فصلٍ، وازدادت المستوطنات، وارتفعت أصواتٌ تنادي بدولة يهوديّة ؛ فيما بعضُ العرب، بل أكثر العرب، يلهثون وراء التطبيع، والاعتراف بوجود «إسرائيل»، والصلح معها، والمقايضة بين استمرار عروشهم وإلغاء حقّ العودة.