مقالات وآراء

الخروق «الإسرائيلية» لوقف إطلاق النار وفقاً للقوانين والمواثيق الدولية

 

 حسن علي عقيل*

 

واظب العدو الصهيوني، منذ الساعات الأولى لسريان وقف إطلاق النار الذي أعلن بتاريخ 27/11/2024، على خرق الاتفاق الخاص به من خلال تماديه في اعتداءاته على لبنان، محاولاً تحقيق ما عجز عن تحقيقه خلال عدوانه الأخير من جهة، ومن جهة أخرى تظهير صورة «انتصار» ليقدّمها إلى مستوطنيه الذين «يشعرون بإحباط لكون حزب الله لم يُهزم ولم يكن قريباً من الهزيمة» وفقاً لصحيفة يديعوت أحرونوت بتاريخ 29/11/2024.
إنّ امتناع اللجنة المكلّفة مراقبة وقف إطلاق النار عن اتّخاذ موقف رادع من هذه الخروق في اجتماعاتها الثلاثة التي عقدتها حتى الآن، واكتفاء الإدارتين الأميركية والفرنسية بتوجيه انتقادات خجولة لها، وفّرا فرصة لـ»إسرائيل» للتمادي في عدوانها حتى بلغ عدد خروقها «أكثر من 816 اعتداءً بريّاً وجويّاً بين 27/11 و22/12/2024» وفقاً لما أعلنته وزارة الخارجية اللبنانية بتاريخ 24/12/2024.

أولاً – الخروق «الإسرائيلية»

إذاً، فقد عمدت «إسرائيل» منذ إعلان وقف إطلاق النار إلى خرقه مئات المرّات، وارتكبت خلالها جرائم خطيرة حظرتها القوانين والمواثيق الدولية، وتمثّلت هذه الخروق بالآتي:
1 – احتلال أراضٍ لبنانية: استغلّ العدو وقف إطلاق النار للتوغّل داخل بعض المناطق التي أعجزته خلال الحرب، وعمد إلى التمركز فيها حيث احتلّها وأقام له نقاطاً ثابتة قبل أن يعمد إلى الانسحاب من بعضها، ومن هذه المناطق: عدّة أحياء في مدينة الخيام، وأخرى في عيترون، ومثلها في الناقورة، وتل النحاس، وبرج الملوك، والمجيدية، ومركبا، وبني حيّان، وأطراف علما الشعب، ويارون، ومارون الراس، وشيحين، والجبين، وشمع، وطير حرفا، والقنطرة، ووادي الحجير…
2 – هدم أبنية ومساكن وقصف وتجريف وتفجير قرى: سعياً منه لجعل القرى الحدودية غير قابلة للسكن، قامت قوات الاحتلال، بعد إعلان وقف إطلاق النار، بعمليات جرف وتدمير وهدم منهجي طال العديد من هذه القرى:
أ – عمليات هدم أبنية ومساكن: هدمت قوات الاحتلال عشرات الأبنية والمساكن في عدّة قرى، كما في بلدة الخيام، ومارون الراس، ويارون، وبيت ليف، وعيترون، وربّ ثلاثين، ومجدل زون، والناقورة، وزبقين، وشمع، وشيحين، وميس لجبل، وكفركلا، وحلتا…
ب – عمليات القصف: أغار طيران العدو وقصف بالمدفعية عشرات القرى والمناطق الممتدّة على طول الحدود اللبنانية مع فلسطين المحتلة، وطال القصف قرى بعيدة عن القرى الحدودية (كالزرارية، والبيسارية، وتفاحتا…)، فضلاً عن معبر جوسيه على الحدود من لبنان.
ج – عمليات التفجير والتجريف: نفّذت قوات الاحتلال عمليات تفجير ضخمة في عدّة قرى سمعت أصداؤها من مسافات بعيدة. كما عمدت إلى جرف أراض واسعة في غير قرية ومنطقة، ومنها بلدة الناقورة التي أعلن رئيس بلديتها أنّ عمليات التجريف والتفجير والتدمير طالت 70% منها، وقرية بني حيّان حيث طال الجرف مسجد البلدة.
3 – قتل وإيذاء وترهيب المدنيين عمداً: وفي محاولتها لمنع المواطنين من العودة إلى مساكنهم التي أرغمتهم على مغادرتها قسراً بفعل عدوانها على لبنان، قامت قوات الاحتلال بترهيبهم من خلال بث نشرات عبر هواتف المواطنين ووسائل التواصل الاجتماعي تحذّرهم فيها من العودة إلى قراهم. ولمّا أيقنت أنّ ذلك لم يمنعهم من العودة إليها عمدت إلى عمليات الاستهداف والقتل والإيذاء مستخدمة الطيران المسيّر والطيران الحربي، ومن هذه العمليات:
أغارت الطائرات على منازل عديدة في كثير من القرى، كما في حاريص (6 شهداء وجريحين)، وطلوسة (4 شهداء)، وبيت ليف (5 شهداء، بينهم 3 أطفال وامرأة، و6 جرحى)، ورب ثلاثين (شهيد وجريح)، ودبين (شهيدين)، وبنت جبيل (3 شهداء وعدد من الجرحى)، وعيترون (عدّة جرحى)، وعيناتا (شهيد وجريح)، ومنزل في الخيام (شهيد)…
واستهدفت بالمُسيّرات عدداً من دراجات وسيارات المدنيين، ومنها: سيارة في مجدل زون (3 جرحى بينهم طفل)، وبيت ليف (شهيد وعدّة جرحى)، وبنت جبيل (شهيد)، وسيارة أخرى قرب حاجز الجيش استهدفتها بصاروخين (شهيد و4 جرحى)، وسيارة في منطقة الخردلي (شهيد)، ومجدل زون، ودراجة نارية في بلدة دير سريان… واستهدف خراج بلدة شبعا بمُسيّرة أطلقت صاروخين (شهيد وجريح). كما أطلقت قوات الاحتلال الرصاص على عدد من المنازل في عدّة قرى أدّت إلى سقوط عدد من الجرحى داخل منازلهم. كما اعتقلت مواطنَين لبنانيَين في بلدة المجيدية وآخر في وادي الحجير بعد أن أطلقت عليه النار.
4 – قتل عسكريين لبنانيين والنيل من السيادة اللبنانية: لم تقتصر اعتداءات قوات العدو على المدنيين بل طالت عمداً أفراد وآليات الجيش اللبناني، ومن هذه الاعتداءات: استهدافها جرافة عسكرية قرب حاجز الجيش في بلدة حوش السيد علي في قضاء الهرمل، ما أدّى إلى جرح أحد الجنود، واستهدافها العنصر في أمن الدولة مهدي خريس بصاروخ أطلقته مُسيّرة ما أدّى إلى استشهاده. كما عمدت جرافات الاحتلال، بحماية الدبابات، إلى رفع سواتر ترابية على الطريق بين شبعا وبركة النقّار بهدف قطع الطريق على الجيش ومنعه من العودة إلى موقعه السابق في بركة النقّار، وإطلقت النار باتجاه دورية مشتركة من الجيش اللبناني واليونيفيل خلال محاولتها فتح الطريق العام في عيترون، وجرفت حاجزاً للجيش اللبناني في الناقورة، ورفعت الأعلام «الإسرائيلية» على مركز الجيش اللبناني في تلّة العويضة.
أضف إلى ذلك، أنّ طيران العدو الحربي والمُسيّر لم يتوقّف عن خرقه للأجواء اللبنانية ليلاً ونهاراً، ولا تقتصر حركة الطائرات على أجواء الجنوب، بل تتواصل فوق مختلف المناطق اللبنانية وصولاً إلى أجواء العاصمة بيروت فإلى الحدود مع سورية. وتكاد تكون هذه الحركة مستمرّة على مدى 24 ساعة في اليوم.

ثانياً ـ في القانون

1 ـ على مستوى إعلان وقف إطلاق النار
شكّلت هذه الاعتداءات خروقاً فاضحة لإعلان وقف إطلاق النار، كالآتي:
ـ لم تتقيّد «إسرائيل» بما نصّت عليه الفقرة رقم 1 من الإعلان لجهة وجوب تنفيذ «… وقف الأعمال العدائية ابتداءً من الساعة 04:00 (بتوقيت «إسرائيل»/ شرق أوروبا) في 27 نوفمبر 2024…»، بل ما تزال تواصل أعمالها العدائية حتى الآن.
ـ كما لم تتقيّد بنص الفقرة 2 منه التي شدّدت على أنّه اعتباراً من الوقت المشار إليه أعلاه «… لن تنفّذ «إسرائيل» أيّ عمليات عسكرية هجومية ضدّ أهداف لبنانية، بما في ذلك الأهداف المدنية والعسكرية، … سواء براً أو جواً أو بحراً». فقد أثبت الواقع أنّ هذه العمليات الهجومية لم تتوقّف يوماً سواء ضدّ الأهداف المدنية أو العسكرية التي استمرت براً وجواً.
ـ شكّلت الاعتداءات أيضاً خرقاً للفقرة 3 من الإعلان التي ألزمت العدو «… باتّخاذ الخطوات اللازمة نحو تنفيذ… (القرار 1701) بالكامل دون أيّ انتهاك». إذ أنّ مجرّد انتهاك إعلان وقف إطلاق النار يشكّل انتهاكاً للقرار 1701 نفسه.
ـ وانتهكت الفقرة 4 من الإعلان التي تتيح لكلّ من «إسرائيل» ولبنان «… ممارسة حقّهما الطبيعي في الدفاع عن النفس…»، إذ لم يعمد لبنان بعد إعلان وقف إطلاق النار إلى أيّ عمل هجومي ضدّ «إسرائيل» يمكّنها من التذرّع بالدفاع عن النفس.
ـ أعاقت الانتهاكات «الإسرائيلية» تنفيذ الفقرة 8 من الإعلان التي تمكّن لبنان من نشر قوة عسكرية في جنوب لبنان في أسرع وقت ممكن، إذ أنّ اعتداءاتها على الجيش تقف عائقاً أمام انتشاره.
ـ خرقت «إسرائيل» البند أ من الفقرة 9 من الإعلان التي ورد فيها «ستتعاون إسرائيل ولبنان مع الآلية (اللجنة) وستُسهّل عملها، مع ضمان سلامة أفرادها»، وقد بينّا آنفاً أنّ «إسرائيل» أطلقت النار على دورية مشتركة للجيش واليونيفيل، كما أنّها منذ بداية الحرب على لبنان استهدفت وحدات اليونيفيل مرّات عديدة وأوقعت في صفوفها إصابات.
ـ قامت قوات الاحتلال بترهيب المواطنين اللبنانيين بل وقتلهم عمداً لمنعهم من العودة إلى قراهم وبيوتهم خرقاً للفقرة الأخيرة من الإعلان التي جاء فيها أنّ الالتزامات الواردة في الإعلان هدفها «… تمكين المدنيين على جانبي الخط الأزرق من العودة بأمان إلى أراضيهم وبيوتهم.
تبعاً لما تقدّم، فإنّ «إسرائيل» تتحمّل مسؤولية خرقها المتكرّر لإعلان وقف إطلاق النار، كما تتحمّل اللجنة المشرفة على مراقبته المسؤولية عن عدم منعها وتصدّيها لهذه الخروقات.
2 ـ على مستوى القوانين والمواثيق الدولية
إنّ ما ورد آنفاً بشأن الاعتداءات «الإسرائيلية» على لبنان لا تشكّل خروقاً لإعلان وقف إطلاق النار والقرار 1701 فحسب، بل أنّها جرائم خطيرة تشكّل امتداداً للجرائم التي ارتكبتها خلال عدوانها على لبنان، وبالتالي فإنّها تخالف القوانين والمواثيق الدولية. وفي طليعة هذه المواثيق ميثاق الأمم المتحدة وقراراتها، ونظام روما الأساسي الخاص بالمحكمة الجنائية الدولية. إذ من المعروف أنّ اختصاص هذه المحكمة يشمل الجرائم الأربع الخطيرة وهي: جريمة العدوان، والجرائم ضدّ الإنسانية، وجرائم الحرب، وجريمة إبادة جنس بشري Genocide. واستناداً إلى ما عرضناه أعلاه تكون ارتكابات العدو خاضعة لاختصاص المحكمة الجنائية كما يأتي:
أ – جريمة العدوان: وفقاً للمادة 2 من ميثاق الأمم المتحدة “يمتنع أعضاء الهيئة جميعاً في علاقاتهم الدولية عن التهديد باستعمال القوة أو استخدامها ضدّ سلامة الأراضي أو الاستقلال السياسي لأية دولة أو على أيّ وجه آخر لا يتّفق ومقاصد الأمم المتحدة”. وهكذا، فإنّ أيّ تهديد باستعمال القوة أو استخدامها فعلاً ضدّ دولة أخرى يشكل عدواناً يتناقض مع مقاصد الأمم المتحدة.
وقد عرّف النظام الأساسي للمحكمة العدوان، وفقاً للقرار رقم 3314 الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة سنة 1974، بأنّه “استعمال القوة المسلّحة من قِبل دولة ضدّ سيادة دولة أخرى…” ومن الأعمال التي تشكّل عدواناً استناداً لهذا القرار: قيام دولة ما بغزو دولة أخرى أو احتلالها عسكرياً، ولو كان الاحتلال مؤقتاً… وقيام القوات المسلحة لدولة ما بقصف إقليم دولة أخرى بالقنابل… وقيام القوات المسلحة لدولة ما بمهاجمة قوات دولة أخرى…
ونجد مثل هذه النصوص في معاهدات دولية عديدة، كمعاهدة البلدان الأميركية للمساعدة المتبادلة (1947)، وميثاق منظمة الدول الأميركية، ومعاهدة التعاون بين اتحاد الدول الأفريقية…، وجميعها تنصّ على أنّ انتهاك أراضي دولة ما، أو احتلالها، وإن مؤقّتاً يشكّل جريمة عدوان. وهذا بالفعل ما قامت به “إسرائيل”، ليس فقط خلال عدوانها على لبنان، بل حتى بعد إعلان وقف إطلاق النار.
ب – الجرائم ضدّ الإنسانية: حدّدت الفقرة (1) من المادة 7 من نظام روما الأساسي الأفعال التي تشكّل “جريمة ضدّ الإنسانية” متى ارتُكبت في إطار هجوم واسع النطاق أو منهجي موجّه ضدّ أية مجموعة من السكان المدنيين، وعن علم بالهجوم، ومن هذه الأفعال:
أ – القتل العمد.
د – إبعاد السكان أو النقل القسري للسكان.
ح – اضطهاد أية جماعة محدّدة أو مجموع محدّد من السكان لأسباب سياسية أو عرقية أو قومية أو إثنية أو ثقافية أو دينية…
ط – الإخفاء القسري للأشخاص.
ومن خلال ما عرضناه من أعمال قتل، وإبعاد للسكان واضطهادهم، ارتكبتها قوات الاحتلال بعد إعلان وقف إطلاق النار، يتبيّن أنّ جميعها قد جرى عمداً من خلال الاستهداف المباشر للمدنيين، وهو ما يشكّل “جريمة ضدّ الإنسانية”.
ج – جرائم الحرب: وفقاً للمادة 8 من نظام روما الأساسي فإنّ جرائم الحرب هي التي “ترتكب في إطار خطة أو سياسة عامة أو في إطار عملية ارتكاب واسعة النطاق لهذه الجرائم. ومن هذه الجرائم: القتل العمد، وإلحاق تدمير واسع النطاق بالممتلكات… دون أن تكون هناك ضرورة عسكرية تبرّر ذلك…، والإبعاد أو النقل غير المشروعين أو الحبس غير المشروع” (1 و4 و7 من البند أ من الفقرة 2 من المادة 8). و”تعمّد توجيه هجمات ضدّ المدنيين الذين لا يشاركون مباشرة في الأعمال الحربية، وتعمّد توجيه هجمات ضدّ… وحدات أو مركبات مستخدمة في مهام… حفظ السلام عملاً بميثاق الأمم المتحدة…، ومهاجمة أو قصف المدن أو القرى أو المساكن أو المباني العزلاء التي لا تكون أهدافاً عسكرية بأية وسيلة كانت، وقيام دولة الاحتلال على نحو مباشر أو غير مباشر،… بإبعاد سكان الأرض المحتلة…، تعمّد توجيه هجمات ضدّ المباني المخصّصة للأغراض الدينية…، قتل أفراد منتمين إلى دولة معادية أو جيش معاد أو إصابتهم غدراً… (1 و3 و5 و8 و9 و11 من البند ب من الفقرة 2 من المادة 8)”.
بالعودة إلى وقائع الخروقات “الإسرائيلية” المبيّنة أعلاه نجد أنّ قوات العدو كرّرت ارتكاب ما لا يقلّ عن 9 جرائم من جرائم الحرب الخطيرة التي حظرها نظام روما الأساسي والمواثيق الدولية.
د – جريمة إبادة جنس بشري Genocide: عرّفت المادة الثانية من اتفاقية “منع جريمة إبادة جنس بشري والمعاقبة عليها” (1948) هذه الجريمة بأنّها أيّ من الأفعال المرتكبة بقصد التدمير الكلي أو الجزئي لجماعة قومية أو إثنية أو عنصرية أو دينية، ومن هذه الأفعال:
أ – قتل أعضاء من الجماعة.
ب – إلحاق أذى جسدي أو روحي خطير بأعضاء من الجماعة.
ج – إخضاع الجماعة، عمداً، لظروف معيشية يُراد بها تدميرها المادي كلياً أو جزئياً…
وقد اعتمدت المادة 6 من نظام روما الأساسي التعريف نفسه. ويرى فقهاء بالقانون الدولي أنّ القتل المقصود في هذين النصّين هو ليس “جريمة القتل الجماعي التي تتطلّب ارتكاب أعمال عنيفة تتسبّب في وفاة عدد كبير من الأفراد، فعلى العكس من ذلك يمكن اعتبار الفعل جريمة إبادة جنس بشري حتى لو لم يتضمّن السلوك المدان فعلاً مميتاً”.
وبالتالي، فإنّ جريمة إبادة جنس بشري تكون مرتكبة إذا توفّر فيها عنصران في وقت واحد، الأول هو القصد الخاص بتدمير جماعة قومية أو إثنية أو عنصرية أو دينية بصفتها هذه كلياً أو جزئياً. والعنصر الثاني هو ارتكاب أيّ من الأفعال المحظورة ضدّ أيّ عضو في مجموعة محمية.
والقصد هنا هو النية المحدّدة لتدمير مجموعة محمية كلياً أو جزئياً، ولا يحتاج الجاني بالضرورة إلى النجاح في محاولته، إنّ ما يلزم لاعتبار الجريمة مرتكبة هو مجرّد ارتكاب فعل محظور ضدّ جزء كبير من المجموعة المحمية بهدف تدمير تلك المجموعة، وإنّ اشتراط توجيه قصد إبادة جنس بشري “ضدّ جماعة قومية أو إثنية أو دينية بحدّ ذاتها، يعني أنّ الضحية يتمّ اختياره ليس على أساس خصائصه الفردية أو هويته، بل بسبب عضويته في واحدة على الأقل من هذه الجماعات”.
أمّا على صعيد العنصر الثاني، أيّ السلوك، فإنّ الفعل الفردي الموجّه ضدّ عضو واحد من المجموعة المختارة، مع توفّر القصد المطلوب، يشكّل إبادة جنس بشري ضدّ المجموعة بأكملها. وذلك لأنّ القصد من تدمير مجموعة محمية كلياً أو جزئياً هو القوّة الدافعة وراء ارتكاب الفعل الجرمي.
ويدخل ضمن فعل الإخضاع الوارد في الفقرة (ج) من المادة الثانية من الاتفاقية، الترحيل والحرمان المتعمّد من الموارد التي لا غنى عنها لبقاء المجموعة مثل الطعام والملابس والمأوى.
وبالتالي، فإنّ ما ارتكبته قوات الاحتلال بعد إعلان وقف إطلاق النار من قتلها عمداً لأفراد من إحدى “الجماعات في لبنان” لكونهم ينتمون إلى هذه الجماعة وإلحاقها بهم أضراراً جسدية وروحية خطيرة، وإخضاعهم لظروف الترحيل القسري وحرمانهم من المأوى… تكون قد ارتكبت بحق هذه الجماعة جريمة إبادة جنس بشري.

*حقوقي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى