الرئيس القويّ وطائفة الرئيس؟
يتحدّث الكثير من الكتّاب والمحللين عن حاجة لبنان لرئيس قويّ يبني الدولة خارج نظام المحاصصة، وغالباً ما ترتبط مثل هذه الدعوات بترشيح قائد الجيش في كل مرحلة بمعزل عن تغيّر الأسماء لتولي هذه المسؤولية.
يعرف أصحاب هذا الرأي أنّهم لا يقدّمون تعريفاً لمفهوم الرئيس القويّ، وهو مفهوم تم تداوله كثيراً في عهد الرئيس ميشال عون، لكن بقي مفهوم القوة غامضاً، لأنه في نهاية المطاف لا يمكن لرئيس الجمهورية في نظام الطائف أن يحكم، بل هو يدير الحكم، ويدير آليات إنتاج قرار الحكم، ولا يقرّر، فكيف يكون قوياً بغير إدارة الوفاق الوطني، ولكن هذا النوع من القوة هو ما يسمّيه دعاة الرئيس القوي بالضعف!
إذا لم يكن مفهوم الرئيس القوي هو ما قدّمته تجربة الرئيس ميشال عون بدليل انتهاء عهده دون القدرة على إنجاز ما يشبه الأحلام والتعهدات، رغم أن التيار الوطني الحر كان يملك أكبر كتلة نيابية وأكبر تكتل وزاري وقام بتعيين العديد من المفاصل الحساسة في الدولة من بين شخصيات قام هو بترشيحها، وإذا لم يكن مفهوم الرئيس القوي هو القوة بالحوار والسعي للوفاق فماذا عساه يكون؟
المُضمَر في مفردة الرئيس القويّ هو في الحقيقة أن يأتي رئيس الجمهورية في كنف دعم خارجيّ يمكنه من تجاوز معادلة الداخل اللبناني، بحيث يتم تصنيع الوفاق لصالح فرض سلطته على سائر اللبنانيين قسراً، بقوة الضغط الخارجي الذي يشكل ضامن نجاح العهد الرئاسي. وقد اختبر اللبنانيّون مفهوم الرئيس القويّ في مرحلة ما بعد الاجتياح الإسرائيلي عندما لم يكن نظام الطائف موجوداً وكان بمستطاع الرئيس أن يقرّر وأن يحكم، وحكم الرئيس وحزبه، لكن النتيجة كانت تجديد الحرب الأهلية بدلاً من إنهائها، واختبروا مرحلة الرئيس اميل لحود بدعم سوريّ استثنائيّ ومقابل عدم نجاح التجربة في بناء الدولة، انفجر البلد والدولة مع تمديد الولاية الرئاسيّة، بداية مع حادثة اغتيال الرئيس رفيق الحريري ثم مع حرب تموز 2006.
تتوجّس غالبيّة الطوائف اللبنانيّة من غير طائفة رئيس الجمهوريّة، من أطروحة الرئيس القويّ مع التمسك بطائفة الرئيس التي تحوز مع رئاسة الجمهورية مناصب مثل قائد الجيش وحاكم المصرف المركزي ورئيس مجلس القضاء الأعلى، أي السلطات العسكرية والمالية والقضائيّة، بينما يتوجّس سياسيّو الطائفة التي ينتمي إليها الرئيس من نظريّة الرئيس القويّ خشية قيامه بإلغاء التعدديّة السياسيّة في طائفته كشرط لإثبات قوّته.
ربما يكون ذلك هو السبب في محاولة الانتداب الفرنسيّ الابتعاد عن خيارات مارونيّة لرئاسة الجمهوريّة والمجيء برؤساء مثل شارل دباس الأرثوذكسيّ وأيوب ثابت البروتستانتي وبترو طراد الأرثوذكسيّ.