خياران صعبان أمام أردوغان
لا تزال المسألة الكردية تمثل جوهر التقاطع الدولي والإقليمي في المعادلة السورية، حيث لا يُخفي الرئيس التركي رجب أردوغان تمسّكه بإنهاء قوات سورية الديمقراطية وسحب سلاحها وإنهاء الكانتون الذي تقيمه تحت الحماية الأميركية في شمال شرق سورية من جهة، ومن جهة مقابلة لا تزال دول الغرب وفي مقدّمتها واشنطن وباريس تتمسكان بالحليف الكردي، وتقف في الخلف دعوات تل أبيب لحماية هذه الخصوصيّة.
الحراك الأميركيّ والأوروبيّ نحو سورية يضع في كفة رفع العقوبات، وفي كفة موازية بناء دولة مشاركة مدنيّة في سورية، تولد من دستور مدني توافقي وانتخابات حرة موثوقة. ويبدو أن الغرب يضع لحكام دمشق وأنقرة معياراً لخوض هذا الطريق هو حجم مشاركة الأكراد في المرحلة الانتقاليّة، سواء في بناء الجيش الجديد او وضع الدستور الجديد وتشكيل الحكومة الانتقالية.
المقاربة الغربية الجديدة في ظاهرها تقترب من طلب أردوغان لجهة الاستعداد لإنهاء الخصوصيّة الكردية العسكرية والاقتصادية، لكن الثمن المطلوب لتحقيق ذلك يمكن أن يكون أشدّ صعوبة من الوضع الحالي، لأن الرؤية التي تحملها انقرة لسورية الجديدة وتسعى لتسريع تنفيذ آلياتها عبر الحكومة الجديدة في دمشق، ترتكز على الاستفراد بسورية الجديدة، بجيش فصائل تحت الرعاية التركيّة، وحكومة لون واحد تدير مفاوضات ترسيم حدود، ولجنة لون واحد لوضع الدستور، ومؤتمر حوار وطنيّ مُسيطر عليه ومرسوم الأهداف والنهايات.
أنقرة أمام الخيار الصعب، بين القبول بعزلة حكومة تحت رعايتها وبقاء نظام العقوبات مقابل الحفاظ على اللون الواحد التركيّ. وهذا يعني المخاطرة بالفشل في السيطرة على كامل الجغرافيا السورية، شمالاً وجنوباً، ولاحقاً في مواقع أخرى، أو القبول بصيغة حكم تكون تركيا شريكاً بالنفوذ فيها، لكن يكون هناك بالمقابل مكوّنات داخليّة مسلحة وازنة وتمثل جغرافيا لا غنى عنها، ولها امتدادات خارجية دولية وإقليمية كافية لإقامة التوازن بوجه الدور التركي، كشرط لقيام دولة واحدة، ولو غير موحّدة، ودولة قابلة للحياة اقتصادياً ومعترف بها سياسياً، لكن لهذا الخيار ثمن يجب حسابه بدقة، وهو أن الجماعات المسلّحة التي شاركت في العمل تحت الرعاية التركيّة طوال عشر سنوات، سوف تنقسم على بعضها أمام خيار دولة مدنيّة، وربما يذهب بعضها إلى اقتطاع جزء من الجغرافيا ويعلن الانقلاب على الخيار التركي.