مخططات التفكيك والسيطرة… أدوات مختلفة لهدف واحد (سايكس بيكو الجديد)!
وفاء بهاني
تتعرّض المنطقة العربية لمخططات ممنهجة تهدف إلى تفكيك جيوشها المركزية، وإعادة تشكيل جغرافيتها وتدمير دولها، وتقسيم مجتمعاتها، والسيطرة على ثرواتها. تقود هذا المشروع الولايات المتحدة والقوى الغربية الاستعمارية، مدعومةً بمشاركة وتواطؤ بعض الأنظمة العربية الرسمية التي أصبحت رهينة لهذا المشروع المؤامرات.
بدأت هذه المخططات في العراق، تحت شعارات كاذبة مثل امتلاك أسلحة دمار شامل وتحرير الشعب العراقي من الحكم الديكتاتوري. لكن الحقيقة كانت احتلال العراق، وتدمير جيشه وتفكيك مؤسساته، وصولاً إلى إعدام رئيسه في ليلة العيد، في إهانة متعمّدة للدولة والشعب.
بعد العراق، انتقلت هذه المؤامرة إلى ليبيا، كان الزعيم الليبي معمر القذافي هدفاً رئيسياً بسبب دعواته لتوحيد القارة الأفريقية تحت عملة موحدة وإنشاء جامعة أفريقية قوية وتقوية الجامعة العربية. تمّ استغلال هذه الأفكار كذريعة لاستجلاب حلف “الناتو” لتدمير البلاد وقتل القذافي، لتدخل ليبيا في حالة من الانقسام والصراعات الأهلية التي لا تزال مستمرة حتى اليوم، مدعومة من أطراف عربية لا تسعى إلا لتعميق الأزمة.
السودان أيضاً لم يكن بمنأى عن هذا المخطط، حيث جرى تقسيمه ليصبح أداة لقطع طرق إمداد المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة، وإخراجه من دائرة المقاومة. ورغم ذلك لا تزال البلاد تغرق في نزاعات أهلية مستمرة، مع محاولات حثيثة لتقسيم ما تبقى منها.
أما سورية، فكانت هدفاً كبيراً لم يقتصر على إسقاط النظام فقط، بل تفكيك الدولة بأكملها. وتعرّضت لحملة تدمير ممنهجة شملت البنية التحتية والقدرات العسكرية، من صواريخ ومطارات ومراكز أبحاث إلى اغتيال العلماء.
الكيان الصهيوني بمشاركة أميركية ودعم البعض العربي، دمّر كلّ ما يمكن أن يشكل تهديداً لوجوده، مع محاولات لفرض وقائع جديدة على الأرض. يسعى الكيان لإقامة منطقة عازلة في جنوب سورية، وشرعنة احتلاله للجولان السوري، ويمهّد لإنشاء دويلة كردية تمتدّ عبر الأراضي السورية والعراقية والتركية، مستغلاً ذريعة محاربة الإرهاب.
في لبنان، يستمرّ الكيان الصهيوني في خرق السيادة اللبنانية، متجاهلاً القرار الأممي 1701، وسط دعم أميركي وفرنسي واضح. تستخدم الولايات المتحدة أدواتها للضغط على لبنان بحجة تمديد الهدنة، مع السعي لنزع سلاح المقاومة وإضعافها. هناك أطراف داخلية لبنانية تتبنّى هذا المشروع أكثر من الكيان الصهيوني نفسه، مما يجعل الوضع أكثر تعقيداً وخطورة.
الهدف النهائي لهذه المخططات هو إبقاء منطقة الشرق الأوسط تحت السيطرة الأميركية، مع ضمان هيمنة عسكرية وأمنية كاملة للكيان الصهيوني قد تمتدّ لقرون مقبلة. هذه المخططات لا تعترف بالصداقة أو التحالف، بل تسعى لتحقيق المصالح الأميركية والغربية فقط، على حساب استقرار المنطقة وسيادتها. مع تصاعد النزاعات الداخلية في الدول المستهدفة، تتضح ملامح هذا المشروع الذي لا يهدف إلى تدمير الدول فقط، بل القضاء على أيّ إمكانية لبناء كيانات مستقلة وقوية قادرة على مقاومة الهيمنة.
الأخطر في كلّ هذا هو الصمت العربي الرسمي، المتواطئ، لتكتشف الدول التي كانت تُعدّ حليفة للولايات المتحدة أنّ الرأسمالية المتوحشة لا تعرف إلا لغة المصالح ومصالحها هي فقط. ما حدث في سورية وليبيا والعراق والسودان ليس إلا بداية مشروع مسار طويل يستهدف بقية الدول العربية المركزية. المنطقة بحاجة إلى استنهاض قواها الداخلية وتوحيد صفوفها قبل فوات الأوان، وإلا فإنّ الآتي سيكون أشدّ خطراً ودماراً…