نتائج جيدة لسياسات منصوري وورشة الإعمار لن يوقفها أحد…
أحمد بهجة
منذ انتهاء ولاية السيّئ الذكر رياض سلامة في آخر تمّوز 2023، تغيّر النهج في مصرف لبنان بشكل جذري، إذ حرص الحاكم الجديد بالإنابة الدكتور وسيم منصوري على اعتماد سياسة جديدة ومختلفة تماماً، أساسها الالتزام المطلق بالقوانين لا سيما قانون النقد والتسليف، وبالتالي القيام بالوظيفة المطلوبة من المصرف المركزي من دون أيّ اجتهادات مهما كانت تسمياتها، هندسات أو «بهلوانيات» أو غير ذلك من أمور كان لها الأثر البارز مع أسباب أخرى في إحداث كلّ هذا الخراب والدمار الذي لحق بالاقتصاد اللبناني.
الحاكم السابق (القابع في السجن حالياً بانتظار محاكمته على الجرائم التي ارتكبها بحق الشعب اللبناني بأسره) كان يخالف كلّ القوانين ويتعدّى على صلاحيات الجميع. كان هذا الأمر واضحاً منذ البداية لعدد غير قليل من المتابعين، وكانت التحذيرات الكثيرة من مغبّة السياسات النقدية والمالية والاقتصادية المتّبعة لا تلقى أيّ تجاوب، إلى أنّ انكشف كلّ شيء بوضوح في عهد الرئيس العماد ميشال عون، بعد الانهيار المالي الكبير في تشرين الأول 2019 واختفاء ودائع الناس وأموالهم وجنى أعمارهم.
وبعد تشكيل حكومة الرئيس البروفيسور حسان دياب في مطلع العام 2020 تمّ استدعاء الحاكم السابق مراراً وتكراراً إلى القصر الجمهوري وإلى السرايا الحكومي للاطلاع على أوضاع المصرف المركزي ولمعرفة الأسباب الحقيقية التي أدّت إلى ذلك الانهيار، لكنه كان يتهرّب ويراوغ إلى درجة أنه حين سئل عن كشف حساب بموجودات ومطلوبات مصرف لبنان قدّم للرئيسين عون ودياب ورقة (A4) مكتوبة بقلم رصاص، بما يعني أنّ كلّ ما فيها قابل للتعديل والتلاعب ساعة يشاء.
أما اليوم فيُمكن للجميع أن يطّلعوا بوضوح تامّ على كلّ أرقام مصرف لبنان المنشورة في بيانات رسمية موقعة من المعنيّين وعلى رأسهم الحاكم بالإنابة الدكتور وسيم منصوري.
ولعلّ القرار الأهمّ الذي بدأ تنفيذه منذ تسلّمه مهامه في الأول من آب 2023 هو عدم المسّ بأموال المودعين لتمويل الدولة، مهما كانت الأسباب والمبرّرات، ومهما ازدادت طلبات الحكومة وضغوط السياسيين.
وهذا ما جعل الاحتياطات الحرة من العملات الأجنبية القابلة للاستعمال (غير أموال المودعين) تنمو بأرقام ملحوظة، حيث وصل مجموعها إلى نحو ملياري دولار، ووفق مصادر مطلعة فقد تمكّن مصرف لبنان في الأسبوعين الأوّلين من شهر كانون الأول الماضي 2024 من جمع نحو 27 مليون دولار، وذلك رغم الظروف القاسية التي خلّفتها الحرب العدوانية البربرية التي شنّها العدو الإسرائيلي على لبنان منذ أواخر شهر أيلول الماضي…
أما الأسباب الأساسية التي سمحت للمصرف المركزي بتحقيق هذه النتائج فهي…
أولاً: الأموال التي دخلت إلى البلد للإغاثة أثناء الحرب ثمّ لإعادة الإعمار بعد الحرب، وهو الأمر المرشح للازدياد والتصاعد مع إعلان حزب الله انطلاق العمل بورشة إعادة الإعمار والبناء تحت عنوان «وعد والتزام»، والمعروف أنّ هذه الورشة سوف تضخّ في الأسواق اللبنانية مئات ملايين الدولارات في فترات قصيرة نوعاً ما.
ومن المؤكد أنّ هذا الأمر سيحصل كما هو مخطط له، ولن ينجح بعض المُغرضين في محاولات العرقلة والاستهداف التي يقومون بها، لترويج مقولة إنّ المقاومة انتهت وإنّ جمهورها متروك لمواجهة مصيره فوق الركام الذي خلّفته الحرب.
لذلك كان من الضروري أن يعلو الصوت قليلاً، ولا مشكلة إذا احتاج الأمر أن يعلو هذا الصوت أكثر، لإفهام من يجب أن يفهم في الداخل والخارج أنّ حزب الله والمقاومة والحلفاء لن يسمحوا لأحد مهما كان أن يستقوي عليهم وعلى جمهورهم، وخاصة في ملف التعويضات وإعادة الإعمار والبناء الذي سيستمرّ ويتصاعد حتى تتحقق كلّ الأهداف المرسومة.
ثانياً: النشاط الملحوظ لحركة الوافدين إلى لبنان بعد الإعلان عن وقف إطلاق النار، حيث أتى الآلاف من المغتربين اللبنانيين في فترة الأعياد لتمضية إجازاتهم مع عائلاتهم، وهذا الأمر أدخلَ المزيد من العملات الصعبة إلى الأسواق اللبنانية، وهناك بلا شكّ حصة من هذه الأموال دخلت إلى خزينة المصرف المركزي.
هذا ما كان قبل نهاية العام 2024، لكن الأمل مع بدء العام الجديد أن نذهب إلى استقرار حقيقي في الأوضاع الأمنية والسياسية، خاصة إذا جرى انتخاب رئيس للجمهورية وتمّ تشكيل حكومة جديدة وإعادة الانتظام إلى عمل مؤسسات الدولة، وخاصة أيضاً إذا التزم العدو الإسرائيلي باتفاق وقف إطلاق النار وأوقفَ اعتداءاته المتكرّرة يومياً مع انتهاء مهلة الستين يوماً في 27 كانون الثاني 2025…