أولى

ستة شهور أميركية لسورية 

 

القرار الأميركي بتعليق عدد من العقوبات على سورية بما يتيح استيراد الوقود وتشغيل محطات توليد الكهرباء ولو لساعات معينة، وفتح الطريق لتحريك عجلة الاقتصاد وتحسين الخدمات، محكوم بسقف زمني اختاره الجانب الأميركي وحدّده بستة شهور  دون أن يذكر السبب.
السبب يرتبط طبعاً بشروط أميركية على هيئة الحكم الحالية في دمشق. وهذه الشروط شرحتها بيانات أميركية سابقة تحدّثت عن الحاجة لرؤية الأفعال وعدم الاكتفاء بسماع الأقوال. والمحاور التي يريد الأميركي فيها أفعالاً، وهي معلنة، وتتصل بإعادة تكوين السلطة وفق صيغة تشاركيّة لا تمنح الراعي التركي من جهة وهيئة الحكم الحالية من جهة موازية موقعاً مقرراً أحادياً في مستقبل سورية. وهذا هو ما يقصد عند ذكر الحاجة لتشكيل حكومة انتقالية شاملة التمثيل لكل المكوّنات السورية.
الواضح أن المكوّن المحوري الذي يهتم الأميركيون والفرنسيون والإسرائيليون بمكانته في الدولة السورية الجديدة، ويخشى الأتراك من هذه المكانة، هو المكوّن الكردي الممثل بقوات سورية الديمقراطية، والمطلوب منحه موقعاً فاعلاً في الحكومة المقبلة وبناء الجيش المستقبليّ، مقابل ضمان ضمّ مناطق سيطرة الجماعات الكردية الى جغرافيا الحكم الجديد، ووضع الثروات النفطية التي يسيطر عليها الفريق الكردي المسلح بتصرّف الحكومة السورية.
إلى جانب هذا الشرط الرئيس شرط رئيسيّ آخر لا يقل أهمية يرتبط بمقتضيات الأمن الإسرائيلي، خصوصاً أن الاحتلال يحظى بتغطية أميركية لإعلان ضمّ الجولان السوري المحتل، والإسرائيلي يحتاج بعد عدم حصوله على صورة نصر حاسم في جبهات غزة ولبنان واليمن إلى صورة موازية يطمح بنيلها عبر تظهير يده الطليقة في التحرك داخل الجغرافيا السورية وتوسيع مداها، عدا عن الاعتبارات الأمنية الحقيقية لاستغلال الوضع السوريّ الحالي لفرض أمر واقع يضمن للإسرائيلي التفوق الجغرافي الاستراتيجي، كانت تل أبيب تعجز عن تحقيقه طول عقود ماضية.
قد تحتاج واشنطن إلى تقديم عناصر تجميل لشروطها بضم عناوين مثل وقف الانتهاكات الجارية في مناطق سورية أو الدعوة الى ضمان حقوق المرأة ومشاركتها، لكن الأمر الجوهري  يبقى في السياسة، وهذا هو التحدي الذي ينتظر أنقرة مع الحليف الأهم في الناتو مع رئاسة جديدة يمثلها الرئيس دونالد ترامب المفترض أنه صديق لتركيا، خصوصاً في ما يخصّ المسألة الكردية.

التعليق السياسي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى