ثبات اتفاق جنوب الليطاني أضعف أهمية الرئاسة
ناصر قنديل
– ليست رئاسة الجمهورية بذاتها مصدراً أحادياً لتحديد هوية لبنان الإقليمية، خصوصاً لجهة موقع الدولة من الصراع مع كيان الاحتلال، وبالأخص لجهة موقفها وموقعها في مستقبل سلاح المقاومة، لكن أهمية الرئاسة وشخص الرئيس ومواقفه واحتمالات تحرّكها تزداد وتتراجع في ضوء المشهد الإقليمي نفسه، أي ثبات أو اضطراب المعادلة التي ترسم موقع لبنان في الصراع مع كيان الاحتلال وخصوصاً لجهة المعادلة الدوليّة الإقليمية التي تحيط بمستقبل سلاح المقاومة، ومن الطبيعي أن يكون الحال بعد حرب بحجم الحرب التي جرت في جنوب لبنان مصدراً للانتباه والتدقيق في مفردات تحريك الملف الرئاسيّ على ضوء هذه القراءة.
– ترشيح قائد الجيش العماد جوزف عون والموقف منه يُقاس بالنسبة لقوى المقاومة من هذه الزاوية، بعدما كان القياس قبل الحرب نحوه ونحو سواه منطلقاً من كون لدى قوى المقاومة مرشحاً لا تراجع عنه هو الوزير السابق سليمان فرنجية، وليس قلقاً أو حذراً من اسم العماد جوزف عون أو تشكيكاً بفرص التفاهم معه، وبالنسبة نفسها تجاه اسم الوزير السابق جهاد أزعور، وسواهما من الأسماء، باستثناء ترشيح رئيس حزب القوات اللبنانية، الذي يتبنى موقفاً ذاتياً معادياً للمقاومة بمعزل عن المناخات والحسابات والمعادلات الدولية والإقليمية، ولن يكون كافياً لضمان حياد جعجع تجاه المقاومة وسلاحها أن الظروف الدولية والإقليمية ليست ناضجة لإشهار الدولة عداءها ضد المقاومة، لأنه سوف يعمل على إنضاجها، منطلقاً من حيثية شعبية وحزبية وأمنية ونيابية يضاف إليها موقع الرئاسة، بينما القياس مع كل الآخرين يبدأ وينتهي بقياس البعد الدولي والإقليمي.
– لا يعود رفض جعجع لترشيح العماد جوزف عون وقبول سواه إلى قياس موقف العماد جوزف عون ومواقف الآخرين من المقاومة وسلاحها، بل إلى حساب مختلف ينبع من كونه المرشح الوحيد المؤهل لتشكيل زعامة مسيحية تنافس شعبياً وتقاسم النفوذ، وربما تكون لها كتلة نيابية وازنة في الانتخابات النيابية في السنة المقبلة، وتملك حجم الدعم الدولي والإقليمي وحيثية موقع قيادة الجيش ما يؤهلها لفعل ذلك، وقبل ذلك ما يؤهلها لاحتكار الدور المقرّر في الحصة المسيحية من الحكومة الأولى للعهد والتعيينات التي سوف تجري في موظفي الفئة الأولى للدولة، وعندما قال جعجع بلغة انفعالية إن على الثنائي أن يقوم بترشيح العماد عون ليقوم هو بدراسة الأمر كان يعلم أنه يقول ما لا يقبله عاقل، حيث كانت المعادلة التي رفعت بوجه الثنائي من القوات والتيار الوطني الحر عندما أيّد ترشيح الوزير سليمان فرنجية تقول بأن المرشح للرئاسة التي تعود للمسيحيين يجب أن ينال تأييد كتلة مسيحية وازنة وعدم ممانعة من الكتلة المسيحية الثانية، واعتبر عدم تأييد التيار وفيتو القوات على فرنجية سببين كافيين لتحويل ترشيحه تحدياً للمسيحيين، فكيف يصير ترشيح العماد جوزف عون من الثنائي شرطاً لدراسة ترشيحه من أكبر كتلة مسيحية لتنظر في تأييده بدلاً من تولي ترشيحه من قبلها أصلاً، بينما الكتلة الأخرى تضع عليه الفيتو؟
– في مقاربة الثنائي للرئاسة، كان مجرد تضمين مبادرة رئيس مجلس النواب نبيه بري ثلاثة عناوين، وقف إطلاق النار والقرار 1701 والرئيس التوافقي، اقتناعاً بأن الطريق الذي كان مسدودا أمام فرنجية لسنتين زاد تعقيداً، ولن تتغير المعطيات لحلحلة هذا التعقيد. وبمجرد القبول بالرئيس التوافقي فإن ما قيل عن الموقف من المرشحين الآخرين لم يعُد هو نفسه، وصار ما يحتاج للفحص أولاً هو الإطار الدولي والإقليمي للوضع في الجنوب بعد الحرب، طالما أن معادلة الرئاسة بعد وقف الحرب قد تمّ احترامها، وفي هذا الإطار كان الأهم من الرئاسة هو ما ظهر من إدراك أميركيّ إسرائيليّ لخطورة المجازفة بالعبث مجدداً باتفاق وقف إطلاق النار، سواء عبر التشبع بأوهام وجود فرص لخوض الحرب تحت شعار نزع السلاح، والفوز بها في ضوء ما جرى في سورية، أو التوهم بإمكانية تحقيق مكاسب أمنية أضافية عبر طلب تمديد المهل او إعلان التمسك بمواقع معينة في الجنوب، ولذلك جاء الإعلان عن السير بتطبيق الاتفاق بمواعيده وخطوطه الجغرافية الواضحة، والسير عملياً بهذا الاتجاه في القطاع الغربي، بما يؤكد أنه اتفاق جنوب الليطاني، لصالح تحويله الى منطقة سيادة حصرية للجيش اللبناني، صارت رئاسة الجمهورية موضوعاً بعيداً عن التجاذبات حول موقع لبنان الإقليمي خصوصاً لجهة الصراع مع كيان الاحتلال، وبالأخص لجهة مستقبل سلاح المقاومة.
– قد يستغرب الكثيرون القول إن الثنائي وحلفاء المقاومة أكثر الفرقاء راحة ومرونة في التعامل مع أسماء المرشحين.