صراع القوى الدولية على المحيطات وانعكاسه على الإقليم
محمد صادق الحسيني
تتسارع الأحداث في العالم على أكثر من مستوى، لكن أهمّها في هذه اللحظة هي تلك الشهية الأميركية المفتوحة فجأة على الممرات والقنوات التي تربط المحيطات ببعضها البعض…
ولنأخذ جزيرة غرينلاند على سبيل المثال لا الحصر تاركين بانانا وخليج المكسيك لوقت آخر.
فماذا يحصل هناك ولماذا يهرول ترامب مسرعاً ويطالب باحتلالها أو امتلاكها أو الاستيلاء عليها لا فرق!؟
المعلوم أنّ روسيا الاتحادية بقيادة بوتين قرّرت اختصار طريقها إلى أوروبا والمياه الدافئة عن طريق فتح طريق لها الى أوروبا عبر اجتياز القطب المتجمّد الشمالي، بعد قيام الولايات المتحدة بالتضييق عليها وعلى الصين من خلال السيطرة على الممرات الأساسية الشهيرة في المحيط الهندي جنوباً مثل مالاقا والبنغال وچوادر في الباكستان ووو…
ولمن لم يطلع بعد فإنّ روسيا بدأت منذ مدة بفتح هذا الطريق عن طريق كاسحات جليد تعمل بالطاقة النووية (تملك منها 53 كاسحة مقابل كاسحة واحدة فقط تملكها أميركا).
وهذا الطريق الذي سيوصل روسيا بأوروبا يمرّ عبر جزيرة غرينلاند، هذه الجزيرة المحاذية لأراضي الدانمارك، والهدف منه هو إيصال الغاز الذي تمّ قطعه عبر أوكرانيا (بعد انقطاعه عن أوروبا بسبب تفجير السيل الشمالي وقطع الجنوبي) وأيضاً تنشيط تجارتها عبر هذا الطريق الذي يختصر المسافة كثيراً أيضاً…
في هذه الأثناء صار معلوماً أنّ الولايات المتحدة في عهد ترامب (أميركا أولاً) ستنشط في استراتيجية تقوم على ثلاثة أهداف:
1 ـ منع روسيا وحليفتها الصين من أيّ تواصل تجاري مع أوروبا بأيّ شكل من الأشكال (حالياً أوروبا تستورد الطاقة من الصين والهند بأسعار نجوميّة مقابل الغاز الروسي الرخيص).
2 ـ منع أوروبا من منافستها في التجارة العالمية حتى الكساد (مئات الشركات الأوروبية أغلقت أبوابها في أوروبا وانتقلت للعمل في أميركا) بعد أزمتي الطاقة والعسكرة الأوكرانية.
3 ـ فرض شراء الغاز المُسال الأميركي على الأوروبيين كحلّ وحيد لبقاء تحالفهما الغربي (إجبار أوروبا على فتح محطات لتكرير هذا الغاز ليصبح قابلاً للاستعمال).
هذه الاستراتيجية تتطلب في ما تتطلب السيطرة على أي أرض أو ممرات تحقق هذه الأهداف والأهمّ تمنع روسيا من التواصل مع العالم الخارجي بما فيها الوصول الى إيران من الشمال. لمنع تحقيق ما يُسمّى كوريدور شمال جنوب (أيّ حتى ميناء چابهار الإيراني الاستراتيجي الواقع على بحر العرب جنوباً) والذي تقوم الهند بتأهيله في الوقت الحاضر ليصبح جزءاً من استراتيجية هذا الكوريدور الإيراني الروسي.
هذه الاستراتيجية الأميركية العالمية هي السبب في الخلاف الملاحظ والبارز حالياً في الرؤية الى ما يحصل أو يمكن أن يحصل في سورية مستقبلاً بين واشنطن ترامب وأنقرة أردوغان.
فترامب لن يسمح لأردوغان مطلقاً بتمرير مشروع نقل الغاز القطري إلى أوروبا عبر سورية والأنابيب التركية الجاهزة.
نعم في حالة واحدة على أن تمرّ عبر ميناء حيفا تحت إشراف الكيان الصهيوني أيّ عدم المرور بتركيا.
من هنا يتوقع الراسخون في علم الطاقة والبحار والمحيطات والممرات أن تنشأ خلافات حادة بين ترامب وأردوغان، وبين ترامب وأوروبا، وبين ترامب وروسيا والصين، وكذلك الهند، على خطوط التجارة العالميّة ما سينعكس على تطوّرات الأحداث في بلاد الشام والإقليم عموماً…
ترامب يريد القضاء على أيّ منافس تجاري له في العالم حتى لو كان أوروبياً، وهو سبق له أن أعلن عن نيته في تفكيك الاتحاد الأوروبي!
كان يعتمد على ستيف بانون زعيم حملته الانتخابية سابقاً والذي حرّره من السجن أخيراً.
والآن يعتمد في ذلك على إيلون ماسك الذي عيّنه بمرتبة وزير.
إنها معركة السيطرة على الموارد بين أميركا الجشعة والطامعة الصهيونيّة في كلّ سياساتها وهي “إسرائيل الأولى”.
وبين عالم الشرق الصاعد الساعي للتحرّر من هيمنة هذا الأخطبوط.
هذا الشرق الذي يبحث عن تحالف واعد يتمثل بمنتدى شانغهاي للتعاون وتحالف بريكس للتجارة والاقتصاد،
والذي تستعدّ فيه قوى إقليميّة مهمة مثل إيران لتلعب دور بيضة القبان في الشرق والتي تستعدّ حالياً وعلى مرحلتين لعقد اتفاق تحالف استراتيجي مهمّ الأول مع موسكو يوم الجمعة المقبل عندما يزورها پزشكيان ومن ثم قريباً مع بكين.
بعدنا طيّبين قولوا الله…