مقالات وآراء

إقرأوا ثمّ غرِّدوا…

 

 أحمد بهجة

 

المشكلة الكبرى في هذا الزمان هي في تزايد عدد الناس الذين يعتقدون أنهم يعرفون في كلّ شيء، ويصرّون على إعطاء آرائهم في أمور وملفات لا يعرفون منها الألِف باء.
هذا هو الحال مع «الكوميدي» نعيم حلاوي الذي نشر بالأمس تغريدة انتقادية مسيئة لرئيس الحكومة السابق البروفيسور حسان دياب، قال فيها: «ليه ما بتعطوه فرصة ثانية، بعد في دولارات احتياط بالمركزي»؟
واضح جداً أنّ نعيم حلاوي لا يعرف شيئاً عن هذا الموضوع، إنما سار كما غيره في موجة ما يسمعه من هنا وهناك على ألسنة بعض المغرضين الذين يروّجون الأكاذيب، إما لأنهم مشاركون مباشرة في السطو على ودائع الناس، أو هم من المحيطين بهم الذين يلملمون بعض الفتات الذي يتساقط من جيوبهم.
علماً أنّ الحقائق منشورة ومعروفة بالكامل وبالأرقام الدقيقة لمن يريد المعرفة والاطلاع، ولمن لا يريد ظلم الناس ورمي التهم جزافاً كما فعل حلاوي…
وفي هذا السياق يجب التذكير بما كان يصرّح به الحاكم السابق لمصرف لبنان رياض سلامة في صيف العام 2019 حين كان يؤكد عبر بيانات رسمية لا تزال موجودة في الأرشيف الإعلامي على الانترنت، أنّ حجم الاحتياطي الأجنبي في المصرف المركزي هو بحدود 30 مليار دولار، وقد تمّ يومها وضع بعض البرامج لدعم سلع معينة كالمحروقات والأدوية، مع استمرار ما كان قائماً من دعم منذ عقود للقمح والطحين والكهرباء، فضلاً عن دعم الليرة… وذلك بقرار من حاكم مصرف لبنان نفسه وليس بقرار حكومي.
هذا كان قبل أن تتسلّم حكومة الرئيس دياب مسؤولياتها وهي التي نالت ثقة المجلس النيابي في 11 شباط 2020، وكان الاحتياطي بحدود 22 مليار دولار في أواخر شباط 2020. وقد بيّنت التحقيقات القضائية اللبنانية والأوروبية أنّ الـ 8 مليارات دولار التي نقصَت من الاحتياطي بين صيف 2019 ومطلع 2020، أقرَضها حاكم مصرف لبنان للمصارف بعد 17 تشرين الأول 2019 وقبل نيل حكومة الرئيس دياب الثقة، وفيما سدّدت المصارف هذه القروض لمصرف لبنان بـ “اللولار” تأكدَ أنها هرّبت الدولارات الحقيقية إلى حسابات في الخارج تخصّ أصحاب المصارف وأصحابهم من السياسيين ورجال الدين والإعلاميّين.
وحين تمّ توقيع مرسوم تشكيل حكومة الرئيس نجيب ميقاتي في 10 أيلول 2021 كان حجم الاحتياطي 14,8 مليار دولار ما عدا حقوق السحب الخاصة (SDR) بقيمة 1,136 مليار دولار. وبذلك تكون قيمة الاحتياطي الإجمالي في 10 أيلول 2021 حوالي 16 مليار دولار في الوقت الذي كان الاحتياطي الإلزامي المطلوب في ذلك الوقت هو 14 مليار دولار.
وهنا يجدر التساؤل عن سبب الحملات على الرئيس دياب وحكومته طالما أنّ نسبة الاحتياطي كانت في أيامه تفوق الـ 15% من حجم الودائع كما يُفترض أن تكون، ورغم ذلك لم تتوقف حملات التجنّي حتى أنّ البعض كان يُهدّد برفع دعاوى قضائية ضدّ الرئيس دياب والحكومة، بينما لم نعد نسمع أصوات هؤلاء في أيام حكومة الرئيس نجيب ميقاتي علماً أنّ أرقام الاحتياطي تراجعت إلى نحو 8 مليارات دولار، أيّ أقلّ بكثير من نسبة الـ 15% المطلوبة، بما يؤكد أنّ استهداف الرئيس دياب كان يحصل لأنه آتٍ من خارج منظومة المحاصصة والمحسوبيات السياسية والطائفية والمذهبية…!
أما عن قيمة الدعم للمواد الاستهلاكية فقد بلغت خلال فترة حكومة الرئيس دياب حوالي 7,6 مليار دولار (خلال 18 شهراً من شباط 2020 حتى حزيران 2021) من ضمنها كلفة الفيول للكهرباء وإدارة معامل الإنتاج. وكانت حصة دعم السلع ما عدا ما يختصّ بالكهرباء حوالي 5,8 مليار دولار خلال فترة 18 شهراً. وهذا موثّق في كتاب مصرف لبنان الموجه الى وزير المال في تموز 2021.
ثم كيف يستقيم الحديث عن استفادة الأغنياء من الدعم طالما أنّ الإحصاءات الدولية كانت تقول إنّ نسبة الفقراء في لبنان وصلت إلى نحو 80% من الشعب مع تدهور قيمة الليرة وتآكل مداخيل المواطنين، وهذا يؤكد أنّ الفقراء هم الذين استفادوا من دعم الخبز والمحروقات والأدوية والمواد الغذائية ومواد التنظيف وغير ذلك من ضروريات الحياة.
وكان الرئيس دياب في مطلع عام 2021 اقترح على رياض سلامة تمويل العائلات الأكثر فقراً (400 ألف عائلة) بقيمة 1,2 مليار دولار سنوياً من خلال البطاقة التمويلية على أن يتمّ إلغاء الدعم. وذلك كان سيوفر على الاحتياطي حوالي 6 مليار دولار سنوياً من خلال التوقف عن دعم السلع، والاكتفاء فقط بتمويل البطاقة التمويلية للفقراء. لكن سلامة رفض هذا الاقتراح في ذلك الوقت، لأسباب معلومة، وأصرّ على الاستمرار في دعم العديد من السلع التي لا يدخل معظمها في ما يُسمّى السلة الأساسية التي تحتاجها الأُسر الفقيرة لتوفير الحدّ الأدنى من الحياة الكريمة.
هذه هي باختصار حقيقة أرقام الاحتياطي وكلفة الدعم الذي لم تقرّر حكومة الرئيس دياب السّير به كما لم تقرّر وقفه، كان الدعم ساري المفعول قبلها وبقيَ بعدها إلى أن قرّر سلامة وقف بعضه عن السلع الغذائية والمحروقات والأدوية… والاستمرار في بعضه الآخر، علماً أنّ منصة «صيرفة» استُحدثت في عهد حكومة الرئيس ميقاتي، أيّ بعد انتهاء فترة حكومة الرئيس دياب، وهي بدورها لم تخرج عن كونها آلية دعم لليرة بشكل من الأشكال! وحصل فيها الكثير من الهدر وأكثر من الهدر… خاصة أنّ الذين حققوا أرباحاً خيالية من منصة «صيرفة لم يدفعوا أيّ ضرائب مما فوّت على الخزينة العامة مداخيل بمئات الملايين من الدولارات!
وإزاء كلّ ذلك ها نحن نرى بالدليل القاطع أنّ المسؤول عن هدر الاحتياطي الأجنبي هو حاكم مصرف لبنان السابق رياض سلامة ومعه مَن معه من شركاء معروفين بالوجوه والأسماء، بدليل انّ الاحتياطي الأجنبي اليوم في المصرف المركزي يزيد ولا ينقص، والسبب أنّ الحاكم بالإنابة الدكتور وسيم منصوري لا يخالف القوانين، ويرفض بشكل قاطع المسّ بأموال المودعين.
وها هو الحاكم السابق قابع في السجن بانتظار المحاكمة والعقاب على الجريمة الكبرى التي ارتكبها مع آخرين بحق اللبنانيين جميعاً، والذين يأملون أن يتحقق ما وعدهم به الرئيس العماد جوزاف عون في خطاب القسم بإعادة الودائع إلى أصحابها… على أمل أن لا يكون الادّعاء على سلامة وتوقيفه في لبنان بمثابة مخرج له حتى لا يُحاكم في أوروبا حيث تكاثرت عليه الدعاوى في نحو سبع دول أوروبية…

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى