المكر لسرقة صورة نصر بديلة عن الجنوب
ناصر قنديل
– لم تكن هناك بين المقاومة وشخص الرئيس المكلف نواف سلام مشكلة إلا أن من يسوّق اسمه يفعل ذلك لاستفزاز المقاومة وإلحاق الأذى بها. فلا مشكلة للمقاومة مع تاريخ الرجل أو مواصفاته، وبين مؤيدي المقاومة والمؤمنين بها كثيرون يُحبّون الرجل ويقدّرونه ويتمنّون أن يروه رئيساً للحكومة، لكن ليس على قاعدة تحويل تسميته إلى صناعة صورة نصر على المقاومة. ولعل الشيء نفسه ينطبق على حالة قائد الجيش العماد جوزف عون قبل أن يصبح رئيساً للجمهورية، حيث كانت المقاومة التي يمثلها سياسياً ثنائي كتلتي التنمية والتحرير والوفاء للمقاومة ويقود حراكها السياسي رئيس مجلس النواب نبيه بري، منفتحة على خيار انتخاب قائد الجيش رئيساً توافقياً منذ طرح الرئيس بري مبادرته وفق ثلاثيّة وقف إطلاق النار وتطبيق القرار 1701 وانتخاب رئيس توافقيّ.
– عندما أدار الجانب السعودي معركة تجميع الأصوات لصالح العماد جوزف عون، كان الثنائي على اتصال وثيق بالجانب السعودي، وكان يدرك أن المشكلة ليست مع السعودية التي كانت تؤكد دائماً حرصها على مراعاة الخصوصية اللبنانية القائمة على تعدّد طائفي حساس وتنفرد فيه الطائفة الشيعيّة بجمع ثلاثة عناصر، أنها الطائفة التي تشكل خزان المقاومة للاحتلال الإسرائيلي وجغرافيتها، وأنها الطائفة التي ينتهي التعدد السياسي فيها عند حدود التحالف القائم بين طرفي ثنائي حركة أمل وحزب الله بنسبة تصل حد الإطلاق والإغلاق، خصوصاً عندما يتصل الأمر بالمقاومة، وأنها الطائفة المستهدفة بالفتنة مع السعوديّة كراع للسنة العرب، ولذلك كانت المقاومة تدرك أن ما كل يدبّر ضدها هو صناعة أميركية خالصة.
– حاول الأميركي بكل ثقله التحايل والمناورة خلال أيام الحرب الضارية التي استهدفت لبنان وخصوصاً الجنوب والبقاع والضاحية الجنوبية، لتمرير صيغة اتفاق يلبي مكاسب إسرائيلية تتيح صناعة صورة انتصار عجز الاحتلال عن تحصيله في ميادين القتال، بعدما فشلت قبته الحديدية في حماية منشآته ومدنه وقواته من ضربات المقاومة، وفشلت كل قواته البرية التي حشدها على حدود لبنان في إحداث اختراق يعتد به ويؤسس لصورة النصر المطلوبة، وكان المفاوض المقاوم نبيه بري المخضرم خلال أربعة عقود من التفاوض مع الأميركيين منذ فيليب حبيب إلى غونداليزا رايس وصولاً إلى أموس هوكشتاين، يدير التفاوض بعناية وحنكة حتى أنتج اتفاقاً لوقف إطلاق النار يحاكي صمود المقاومة على الحدود الجنوبية، ويُحرم الاحتلال من صورة النصر المنشودة، ولم يكن خافياً خلال التفاوض نية وزير الخارجية الأميركية أنتوني بلينكن سرقة انتخابات رئاسة الجمهورية قبل وقف إطلاق النار ومقايضة الانتخاب تحت ضغط الاحتلال شرطاً لوقف إطلاق النار، لولا أن رفض بري ارتكز الى ضغط المقاومة بالنار لإجبار الكيان على القبول بوقف إطلاق النار.
– خلال الفترة الفاصلة بين وقف إطلاق النار وموعد جلسة الانتخاب، والممتدة على أربعة وأربعين يوماً، كان لافتاً حجم البرود الذي يبديه كل من يعتبرهم الأميركيون حلفاء تجاه أي مسعى للتوافق، وكان واضحاً أن جلسات الانتخاب لن تنتج رئيساً، وكانت توجّهات هؤلاء تتوزع بالتوازي على أسماء لم يكن بينها اسم قائد الجيش، حتى جاء الأميركي وضبط إيقاع حلفائه الإقليميين لصالح كلمة سرّ هي قائد الجيش. وانصاع المعارضون وبدّلوا مواقفهم خلال ساعات، ولم تتخذ المقاومة موقفاً سلبياً واكتفت بالدعوة للتوافق وتمّ تجاهل دعوتها رهاناً على صناعة صورة النصر عليها، وكانت النتيجة بالفشل القابل للتكرار بصورة تؤذي صورة العماد جوزف عون دون أن تحقق أي تقدم، وصار الذهاب الى التوافق بضوء أخضر أميركي شرطاً لإنجاز الاستحقاق، وتضمّن تعهدات بصدقية تطبيق القرار 1701 بكل موجباته وإطلاق مرحلة إعادة الإعمار، والاتفاق على صيغة للحكومة المقبلة برئاسة نجيب ميقاتي، وكان طبيعياً أن يتقبل الثنائي النقاش في اسم آخر لرئيس الحكومة لو وجد ممانعة سعودية، لكن يبدو أن الأميركي خدع السعودية والرئيس المنتخب كما مكر بالثنائي بوساطة اتفاق تمّ مع الرئيس والجانب السعوديّ.
– القضيّة ليست بمفاضلة بين اسم ميقاتي واسم سلام، بل بتنفيذ اتفاق، والانقلاب ليس على اسم ميقاتي، بل على الاتفاق، وطرفا الاتفاق هما السعودية ورئيس الجمهورية، ومَن انقلب على الاتفاق وعمّم اسم سلام انقلب عليهما معاً، ولو كانا في صورة ما جرى أو شارك أحدهما فيه، لكن الانقلاب يضع الأمور طلباً لصورة النصر في مكان شديد التعقيد. فالمشكلة اليوم عند الرئيس المكلف ومعه رئيس الجمهورية الذي لا تولد حكومة بلا توقيعه، وتوقيع الرئيس مهمته التحقق من أن الحكومة تمثل الطوائف بصورة عادلة، فإن ذهبا إلى حكومة بدون الثنائي واعتمدا تمثيلاً هامشياً في الطائفة الشيعية مقابل تمثيل وازن في سائر الطوائف سقطوا في المحظور الوطني، وليس الدستوري فقط. وإن قرّرا العودة للتفاوض لإنعاش الاتفاق الذي سبق انتخاب الرئيس، سقطت صورة النصر المنشودة، ويكون صاحب الخطة الانقلابية مجرد ساذج ورّط حلفاءه بمنح الثنائي فرصة التأكيد مرة أخرى أنه كما لا يمكن انتخاب رئيس للجمهورية بدونهما، كذلك لا يمكن تشكيل حكومة بدونهما ولو تمّت تسمية رئيس الحكومة بدونهما بالاستفادة من إغراء أن تسمية رئيس مكلف لا تحتاج إلى الثلثين، ليظهر أن هذا مجرد خداع بصري ليس إلا.