أولى

تحدي الإقلاع بانتظار عون وسلام

 

قبل الطائف كان يكفي انتخاب رئيس الجمهورية كي يصبح الباقي سهلاً، لأن الرئيس هو السلطة التنفيذيّة فهو يختار الوزراء ويختار من بينهم رئيساً لهم، وهو يقيل الحكومة ويشكّل غيرها؛ أما بعد الطائف فقد صار انتخاب رئيس الجمهورية مجرد نقطة بداية، وتسمية رئيس الحكومة نقطة بداية أخرى، لكن الإقلاع صار رهناً بتشكيل الحكومة.
يتشابه رئيس الجمهورية جوزاف عون والرئيس المكلف بتشكيل الحكومة نواف سلام، حيث يحمل كل منهما سجل نجاحات شخصيّة مشرّفة في مجال عمله وشهادة بأخلاقياته ونزاهته وحكمته وتمسكه بالوحدة الوطنية وترفعه عن الطائفيّة، وحسّه الوطني العالي، لكنها يتشابهان أيضاً أنهما تسلّما المسؤولية في كنف معادلة دولية إقليمية استولدت وصولهما إلى المسؤوليّة بالاستناد إلى قوى محليّة لا تشبه أيًا منهما في شيء من خصاله، ولا ترى فيهما إلا فرصة للانتقام من المقاومة التي عجز الاحتلال عن كسرها.
تطبيق القرار 1701 وإعادة الإعمار هما المهمتان الراهنتان على جدول أعمال رئيس الجمهورية والحكومة التي تمّت تسمية رئيسها. والنجاح يتوقف على ضمان الحصول على ثقة طرفين، هما على جانب أول الخارج الدولي الذي يمكنه ضمان الالتزام الإسرائيلي من جهة، والخارج الإقليمي الذي يمكنه تمويل إعادة الإعمار من جهة أخرى، وعلى جانب ثانٍ المقاومة التي تتوقف على ثقتها بالحكومة الجديدة درجة تسهيلها لتنفيذ موجباتها من القرار 1701، وتسهيلها لحركة اليونيفيل في الجنوب الذي يدين أهله للمقاومة بالولاء ويكرهون من يكرهها. وتتوقف على الثقة بين المقاومة والحكومة حالة الاستقرار السياسي والشعبي التي لا مجال لنهوض ولا لإصلاح من دونها، لأن البيئة الأكثر تطلباً على الصعيد الاجتماعي هي البيئة التي تتوقف على طمأنتها صناعة الاستقرار، وهي هنا البيئة المصابة في الحرب وهي بيئة المقاومة، وهي كما يعرف رئيس الجمهورية والرئيس المكلف البيئة التي تحتاج إلى من يطمئنها إلى أنها غير مستهدفة، لأنها ملتصقة بمقاومتها مثل التصاق الظفر واللحم.
تسمع بيئة المقاومة كل الذين يتباهون بانتخاب رئيس الجمهورية وتكليف رئيس الحكومة وهم يحولون عرس الفرح بالانتخاب والتكليف إلى رقصة على قبور شهداء المقاومة ومشروع لإعلان الانتصار عليها، وبينما يقول وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، إن اقصى ما يمكن تحقيقه هو إبعاد حزب الله عن الحدود، يتحدّث المصفقون للانتخاب والتكليف عن نزع السلاح وإنهاء المقاومة، والمقاومة المنفتحة على مناقشة دور السلاح ومستقبله على طاولة مناقشة تضمّنها خطاب القسم لوضع استراتيجية للأمن الوطني، وعلى قاعدة أن حق الدولة باحتكار السلاح مشروط بالقيام بواجبها بمنع الاعتداءات وتحرير الأرض، كما قال خطاب القَسَم أيضاً، وبيننا وبين هذه المرحلة مسافة طويلة، فيها تساكن منظم بين مقاومة تنسحب من جنوب الليطاني، وبين جيش يشرف على انسحاب قوات الاحتلال ويتسلم حصرية السلاح في منطقة جنوب الليطاني، ليتزامن مع ذلك بدء عملية إعادة الإعمار ويفتح الطريق للاستثمار على بناء الجيش ومقدراته، بحيث لا يستحق البحث زمنياً بمستقبل السلاح قبل الانتخابات النيابية المقبلة بعد عام وعدة شهور. وهو بحث وطنيّ يدخله الجميع بنية طيبة، لا مشروع عدوان انتقامي من المقاومة يتباهى خلاله بعض اللبنانيين بقوة الاحتلال، الذي يعترف بفشله في هزيمة المقاومة.
إقلاع العهد والحكومة رهن خطاب سياسي يصارح الداخل والخارج بقول ما تجرأ أنتوني بلينكن على قوله، إن سقف المتداول الآن هو إبعاد حزب الله عن الحدود إلى شمال الليطاني، مقابل انسحاب كامل للاحتلال حتى خط الهدنة، وهذا هو جوهر القرار 1701، وإن مصير السلاح لم يحسم بالقوة ولن يحسم إلا بالحوار بين اللبنانيين حول كيف نحمي بلدنا؟

التعليق السياسي

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى