أولى

غزة والمرحلة الجديدة

 

 سعادة مصطفى أرشيد*

 

قضى الشرق الأوسط أيامه الأخيرة وهو في حالة خوف واستعجال بانتظار موعد العشرين من هذا الشهر، فيما آن أوان حسم الملفات المعقدة وطويلة العمر استعداداً لدخول الرئيس الأميركي الجديد دونالد ترامب للبيت الأبيض وتسلم صلاحياته الدستورية. ومع أن هذه الحالة الأميركية تتكرر كل أربع سنوات تقريباً بشكل طبيعي كما في كل بلد يتم تداول السلطة فيه، إلا أنها في هذه المرة تأخذ شكلاً مختلفاً ممتزجاً بالخوف والهلع والرغبة في تقديم الهدايا الاستباقية للرئيس الجديد صاحب الشخصية العاصفة، فجاء انتخاب رئيس لبناني وتكليف آخر بتشكيل حكومة بسرعة قياسية بعد سنوات من الاستعصاء. وفي هذا السياق أيضاً تدور مفاوضات غير مباشرة بين المقاومة الفلسطينية (تحديداً حركة حماس) وحكومة الاحتلال برعاية قطرية أولاً وبمساعدة مصرية ثانياً وغطاء أميركي ثالثاً وهو الأهم، وذلك لإنجازها قبل العشرين من هذا الشهر وذلك تحت نار القصف والقتل والمرض وبرد الشتاء في غزة. فـ(إسرائيل) تريد ان تستمر في حربها حتى اللحظة الأخيرة آملة بتحقيق مكاسب أكبر وإرضاء للمتطرفين الذين يملكون بيضة القبان في الحكومة. والمقاومة بدورها تريد أن تكون صاحبة الطلقة الأخيرة وأن تقول إنها لا زالت قادرة على المناجزة والاستمرار وان تجعل ذكريات نهاية الحرب سيئة لـ (الإسرائيلي) وليس للفلسطيني فقط.
ولكن من يهمهم الأمر في القاهرة والدوحة كما في واشنطن وتل أبيب من أصحاب فكرة أن لا مكان لحركة حماس في حكم غزة لا بل ولا مكان للمقاومة في غزة، يدركون مسألتين الأولى أن حجم الاذى والقتل والدم والدمار الذي حاق بغزة وأهلها من شأنه أن يخلق أجيالاً جديدة أكثر تطرفاً وقسوة وقدرة على الإيغال في الدم من مقاتلي حماس، وأن حركة حماس لا بد لها من دور في استيعابهم وإلا فإن هذا الفراغ لن تملأه إلا جهات تكفيرية أكثر تطرفاً. هذا ما تحاول الدوحة أن تعمل عليه باتجاهين الأول إقناع العالم بالفكرة والقدرة على تنفيذها، والثاني إقناع حركة حماس بأن هذه فرصتها الوحيدة والأخيرة للبقاء وإلا فإن رأسها مطلوب. بهذا تتأكد كل من الدوحة والقاهرة أن لا تكون حماس حاكمة في غزة، لذلك لا بد من وجود جهة من خارج صندوق المقاومة قادرة على أن تحكم وأن تغيظ أهل غزة وتعيد الإعمار وقادرة أيضاً على الوفاء بالالتزامات التي سيرتبها الاتفاق.
غزة أيضاً محظور عليها أن تُحكم من قبل حركة حماس أو أي حركة مقاومة ولكنها أيضاً لا يمكن أن تُحكم بدون حركة حماس وإن كانت في الظلال، وأن بإمكانها أن تختار من يمثلها من خارج صفوفها. هذه هي فكرة لجنة الإسناد المجتمعي التي يتم تداولها ويبدو أنها أصبحت مقبولة من الجميع باستثناء السلطة الفلسطينية في رام الله التي ترى نفسها صاحبة الولاية والمشروعية فيما لا يراها أهل غزة كذلك بعد صمتها طيلة أيام الحرب، كما لا يراها أصحاب القرار الدولي والإقليمي الذين يطالبونها دون توقف بإصلاح نفسها إذا أرادت أن تكون مؤهلة للعودة إلى غزة بل ربما للبقاء في الضفة الغربية.
الاتفاق قد أصبح شبه جاهز وسيكون الإعلان عنه اليوم أو غداً أو ما أقصاه يوم الأحد المقبل إن لم يحدث أمر من خارج التوقعات، ولعل ما يجري الآن هو معالجة بعض التفاصيل واختيار المفردات. وإذا كانت نتائج التداعيات الإقليمية جعلت من الشام تقع في أيدي التحالف التركي القطري ولبنان في أيدي التحالف السعودي الإماراتي المصري فإن غزة ستكون في غالب الأمر حصة مشتركة بين التحالفين، وقطر مَن يملك التأثير على قيادات حركة حماس ولها دورها في التمويل وإعادة الإعمار، فيما تملك مصر الجغرافيا الحاسمة ويبدو ذلك أيضاً في ما قاله بلينك أول أمس الثلاثاء، فلا مكان لحركة حماس والمقاومة في اليوم الثاني للحرب ولا وجود لفكرة المقاومة التي أصبحت ذكرى وإن مَن يحكم غزة هو هيئة من خارج الصندوق.
بعيداً عن أحاديث النصر والهزيمة، ففي ظل موازين القوى الجديدة التي أخذت شكلها مع خروج لبنان من المشاركة في الحرب ثم انتخاب رئيس جديد وتكليف آخر بتشكيل حكومة تحظى بأغلبية برلمانية وإن غاب الثنائيّ الشيعيّ مؤقتاً عنها، ثم ما جرى في الشام وما لحقه من انكفاء للدور الإيراني، فالمطلوب اليوم هو الخروج بأقل الخسائر وفك الحصار عن غزة وإعطاء أهلها فرصة للعيش الكريم والصمود والبقاء على أرضهم.

*سياسي فلسطيني مقيم في الكفير ـ جنين ـ فلسطين المحتلة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى