نقاط على الحروف

أنتِ العرب وأنتِ الأمم المتحدة يا غزة

 

ناصر قنديل

 

– ليس هناك ما يمكن أن نحتفل به في عرس غزة المضمخ بدماء شهدائها من الأطفال والكبار، إلا الدموع، فهي دموع الفرح بالنصر، ودموع الحزن على الشهداء وفي مقدّمتهم القادة الذين منحوا دماءهم حتى تكتب سيرة النصر هذه. وإحدى وعشرون دمعة أفضل اليوم من إحدى وعشرين طلقة، لأن طلقات الرصاص والمدافع لها مكان آخر، ونتذكر الشهداء ولكل منهم إحدى وعشرون دمعة، خصوصاً للسيد حسن نصرالله الذي ربما أدرك أنّها آخر حروب فلسطين التي يخوضها لبنان ويمكن له أن يرتقي شهيداً فيها، وقد خرج الكيان من حربيه في لبنان وغزة كسيحاً مصاباً في روحه عاجزاً عن خوض الحروب، وقد سبق له أن رمى بثقله لفرض شروطه في لبنان وفشل، وأعاد الكرة في غزة وفشل. وإحدى وعشرون دمعة للقائد الشهيد إسماعيل هنية الذي أخلص لغزة والطوفان حتى تماهى معهما وصولاً إلى الشهادة، وإحدى وعشرون طلقة للشهيد القائد يحيى السنوار أبو الطوفان وصانع مجد قوات القسام.

– قاتلت غزة قتال الأبطال الأسطوريّين، واستحقت نصراً تدخل عبره التاريخ، فهي حرب لم تشهد البشريّة مثلها، ولم يخض العرب مثلها، حرب خاضها الغرب كله ضد غزة وحدَها، لولا قلة قليلة من العرب تصدّرها لبنان واليمن، وكانت الأثمان تفوق الخيال، وكانت خلفهما إيران ودفعت ثمناً باهظاً لنصرة غزة، وسورية وقد دفعت الثمن الكبير، وكان للعراق نصيب من المساهمة والثمن، لكن رغم ذلك كله ورغم نصرة شعوب كثيرة لم تهدأ بحضورها في الساحات والشوارع والميادين، وحكومات تجرأت على المقاطعة والتحرّك نحو المقاضاة بجرائم الإبادة، بقيت غزة تخوض حربها وحدها، وهي وحدها في مواجهة أميركا والغرب كله والمخلب المسموم جيش الاحتلال مزوّد بكل ما لديهما من تقنيات وخبرات ومخابرات.

– قاتلت غزة وانتصرت، والنصوص لا تحتمل الاجتهاد. انسحاب كامل لجيش الاحتلال وإنهاء شامل للحرب، وعودة النازحين وفك الحصار ومنع التهجير، وإعادة الإعمار، وغزة تفرض شروطها على الغرب وعلى رأسه واشنطن، وقد فشل حلم إسقاط المقاومة سقوطاً مدوياً، واعترف أعداء المقاومة أنها صارت أكثر قوة خلال الحرب مما كانت قبلها. غزة اليوم هي العرب ولا أحد سواها إلا مَن دفع ضريبة الدم معها. ومَن يريد الاستحصال على الهوية العربية عليه أن يحمل لوائح شهدائه في حرب غزة ويذهب إلى غزة طلباً لبطاقة النسب والانتساب. فالعرب أمة تختصرها غزة وحدها ومَن تختاره معها، وما عداها ناطقون بالعربية وليسوا عرباً، فحيث لا نخوة ولا شهامة لا عرب. ويفتخر اللبنانيون أنّهم من الذين قدّموا أغلى ما عندهم ضريبة دم دفعوها عن طيب خاطر لأجل دخول اسم لبنان سجل الشرف العظيم. والتاريخ سيكتب أن أصغر وأفقر بلاد العرب في غزة ولبنان واليمن فعلت ما عجزت دول كبرى عن فعله بتحدّي المشيئة الأميركية وكسرها، وبتحدّي أميركا الصغرى وكسر شوكتها. ولا ضير أن يحاسب بعض اللبنانيين بعضهم الآخر، ويمنحون الذين قاتلوا مع غزة وقتلوا بسبب نصرتها، شرف احتكار الشهامة، بالتسابق على التبرؤ من حرب غزة، وشرف كبير أن يُقال لأهل المقاومة هذه حربكم وليست حربنا، فمن يتبرأ من الشرف والكرامة والعزة والنصر، لا يليق به أي من هذه الخصال.

– غداً يوم آخر، ومن الغد سوف يبدأ تاريخ عربيّ جديد وتاريخ جديد للكيان، ولن تنفع فيه كل القصائد المنافقة، ولا المزاعم والأكاذيب، ولا السرديات الملفقة، فقد انتصرت غزة وانتهى الأمر، والحبر الذي يسال الآن كاذب لأن التاريخ كُتب بالدم، ولن تنفع كل الخطط الإعلامية بمنح الاحتلال صورة المنتصر، فقد هزمته غزة شر هزيمة. واللبنانيون والعرب الذين يهولون على أشقائهم بصورة الإسرائيلي القويّ ينفخون في قربة مثقوبة، فلن يطول الوقت حتى يبدأ احتضار هذا الكيان المسخ وتبدأ حكايات أزماته بالظهور على السطح حتى الاقتتال الداخلي، والمسألة مسألة وقت. كذلك لن تنفع كل ديباجات الكلام بإخفاء الهزيمة الأميركية، وقد هزمتها غزة، ومَن هزمتهم غزة بيد لبنانية أو بيد يمنية هزمتهم في النهاية غزة، لأنها صارت كلمة سر البطولة في العالم، وملحمة الإنسانية المعاصرة. وسوف يلاحق الخزي والعار كل من تآمر على غزة وشارك في ذبح العروس وهي تلبس ثوب عرسها، ووقف يتباكى عليها. وكل من كان قادراً على فعل شيء وأمسك نفسه عن فعله طلباً لرضا الأميركي والإسرائيلي أو خشية منهما، والذين كانوا يتساءلون هل يعقل أن تفرض غزة شروطها، يجب أن يفركوا عيونهم مرتين ويقرأوا النص ليعلموا أن غزة فرضت شروطها، نعم فرضت غزة شروطها، وواجبهم أن يعيدوا قراءة ذلك النص بصوت مرتفع عشر مرات قصاصاً لهم على كسلهم وتخلّفهم العقلي.

– غزة انتصرت وكفى، ولكل أحرار العالم حق الاحتفال بالنصر.

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى