إعلان اتفاق غزة ووقف النار يبدأ الأحد: أعراس نصر فلسطينية وارتباك في الكيان / المقاومة فرضت كل شروطها بالانسحاب وإنهاء الحرب وحكومة نتنياهو تحتضر / الاستشارات النيابية للرئيس المكلّف تصطدم بمقاطعة الثنائي… والحوار يبدأ الجمعة
كتب المحرّر السياسيّ
كما كان متوقعاً أعلن رئيس وزراء قطر ووزير خارجيتها الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني عن التوصل إلى الاتفاق الخاص بإنهاء الحرب على غزة، على أن يدخل وقف إطلاق النار حيّز التنفيذ يوم الأحد، منهيا 470 يوماً من الحرب، نجحت خلالها المقاومة بإعادة تكوين مصادر قوتها البشرية والتسليحية والاستعداد لحرب طويلة، وكانت حرب الـ 100 يوم في شمال القطاع تحت عنوان مشروع الجنرالات لتهجير سكان شمال قطاع غزة امتحاناً لقدرة جيش الاحتلال من جهة، وصمود الفلسطينيين وبسالة مقاومتهم من جهة مقابلة. وجاءت الحصيلة التي مهدت للاتفاق تقول إن خسائر الاحتلال تقارب الـ 1000 بين قتيل وجريح، بينما بقي نصف مليون فلسطيني يتمسكون بالبقاء في مناطق شمال غزة حتى لو كان الثمن هو الاستشهاد. والاتفاق الذي يضمن الانسحاب الشامل للاحتلال من كامل قطاع غزة، يضمن أيضاً إنهاء الحرب وفقاً لشروط المقاومة.
في غزة والضفة ومخيمات الشتات عمّت أعراس الفرح، وخصوصاً في غزة، حيث تحوّلت البهجة بالاتفاق إلى عرس وطني كبير، بينما دخل الكيان في حالة ارتباك تحت تأثير قلق أهالي الأسرى من تعرقل تنفيذ كامل مراحل الاتفاق، وتصدّعت الحكومة مع تهديد ايتمار بن غفير لرئيس الحكومة بنيامين نتنياهو بمغادرة الحكومة، وتهديد نتنياهو له بإبعاده، والارتباك قابل للتحوّل إلى أزمة سياسيّة ولاحقاً ربما تكبر الأزمة أكثر.
في لبنان، بدأ الرئيس المكلف تشكيل الحكومة نواف سلام استشاراته النيابية في ظل مقاطعة نواب كتلتي التنمية والتحرير والوفاء للمقاومة، بعدما اعتبر الثنائي أن الطريقة التي تمّت من خلالها تسمية سلام لرئاسة الحكومة كانت خديعة أرادت إسقاط الاتفاق الذي قام الثنائي بموجبه بمنح أصواته لتدعيم فرص رئيس الجمهورية في الدورة الثانية، والاتفاق الذي تمّ بين الثنائي والموفد السعوديّ بالتوافق مع واشنطن وباريس، وتكرّس بوضعه في عهدة رئيس الجمهورية كان شخص رئيس الحكومة وتسمية الرئيس نجيب ميقاتي بنداً من بنوده لتنفيذ سائر البنود. والانقلاب على هذا الاسم لو لم يكن مبنياً على وهم صناعة انتصار على الثنائي، لكان تغيير اسم رئيس الحكومة ممكناً بالتوافق، والطريق إلى ذلك سهل وهو إطلاع الثنائي على التوجّه وتأكيد بقاء الاتفاق ببنوده الأخرى قائماً، ولم يحصل ذلك، لأن المطلوب كان إظهار الثنائي ضعيفاً. والآن وبعدما حدث ما حدث، فالحكومة معلقة على حبال العودة إلى الاتفاق، وهذا ما يعلمه الخارج ويعلم كيف يعيد الأمور إلى نصابها، ويعلم مع مَن يجب عليه أن يتحاور وحول أي مواضيع، والجمعة أول جلسة حوار بين رئيس مجلس النواب نبيه بري والرئيس المكلّف نواف سلام، إيذاناً برغبة متبادلة بالمصارحة لتجاوز الأزمة الناشئة وكيفية الخروج منها.
وأنهى الرئيس المكلف تشكيل الحكومة القاضي نواف سلام اليوم الأول من الاستشارات النيابية غير الملزمة في المجلس النيابي وسط مقاطعة كتلتي التنمية والتحرير والوفاء للمقاومة وغياب رئيس مجلس النواب نبيه بري.
وقال الرئيس بري في تصريح: “سأستقبل الرئيس نواف سلام الجمعة”.
وردًا على سؤال حول ما إذا سيكون هناك لقاء يجمع الرئيس سلام بكتلتي أمل وحزب الله، أجاب “هيدي فيها إنّ”. وكشف أنه “لم يحصل اتصال بيني وبين الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون”. وعما إذا كانت مقاطعة جلسة الاستشارات هي رسائل للخارج قال بري: “لبنان بدو يمشي”.
ولفتت مصادر الثنائي حركة أمل وحزب الله لـ”البناء” الى أن “مقاطعة الثنائي للاستشارات تعبر عن موقف سياسي رفضاً لتراجع حصل عن تفاهمات قبيل انتخاب رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون، وكسر الميثاقية والشراكة في استحقاق تكليف رئيس لتأليف الحكومة”. وأوضحت المصادر أن “الثنائي يقدّر وينظر بإيجابية الى كلام رئيس الجمهورية وحرصه على الشراكة بين الجميع وعدم إقصاء أي مكون لبناني وكذلك مد الرئيس المكلف يده للتعاون وحرصه على عدم كسر أحد، غير أن هذه التطمينات والايجابيات تبقى في إطار الكلام وتنتظر الترجمة العملية من خلال اللقاء المنتظر بين الرئيس بري والرئيس المكلف، إذ من المتوقع أن يكون الرئيس بري في منتهى الصراحة في التمسك في مبدأ الميثاقية والشراكة الحقيقية للطوائف في السلطة لا سيما في السلطة التنفيذية”، وشدّدت المصادر على أن “يد الثنائي أيضاً ممدودة للرئيسين عون وسلام والمشاركة في الحكومة لإعطاء دفع للعهد الجديد والعمل على إنجاحه على المستويات كافة، لكن وفق الأصول والقواعد الميثاقية والدستورية واحترام التمثيل الشعبي والأحجام النيابية وحق الكتل النيابية بتسمية ممثليها في الحكومة عبر أشخاص ذوي كفاءة وخبرة ونظيفي الكف وغير منتمين الى أحزاب”.
وفيما توقعت أوساط سياسية عبر “البناء” حصول أزمة ميثاقية وسياسية بحال تجاهل الرئيس المكلف التفاهم الذي حصل بين الثنائي أمل وحزب الله وأطراف داخلية وخارجية، رجحت مصادر نيابية “احتواء الأزمة الناشئة عن يوم الاستشارات النيابية في بعبدا، وذلك خلال اللقاء المرتقب بين الرئيس بري والرئيس المكلف غداً، على أن يستمع سلام خلال لقائه رئيس المجلس لهواجس الثنائي ورؤيته للحكومة الجديدة وكيفية المشاركة فيها وبرنامجها وأولوياتها وتعاطيها مع الملفات الملحّة لا سيما الانسحاب الإسرائيلي من الجنوب وتطبيق اتفاق الهدنة وتثبيت الحدود وإعادة الإعمار ووضع استراتيجية دفاعية واستكمال تطبيق بنود اتفاق الطائف”.
وأشار المفتي الجعفري الممتاز الشيخ أحمد قبلان، الى أن “الإقصاء الميثاقي انتحار وقتل وإبادة ولعب بالنار، ونقض التفاهمات طعنة بالظهر، ولن نقبل بأن يقصينا أحد، ونحن أم الصبي وطنياً، وهناك من يعاقب المقاومة ورمز انتفاضة 6 شباط وتاريخ طويل من التضحيات التي استعادت لبنان وكرّست سيادته الوطنية، ولن نقبل بتجاوز ثقلنا الوطني والنيابي وإلغاء قدراتنا السيادية وشراكتنا الميثاقية، ومن يفعل ذلك يضع البلد بقلب الهاوية، واللعب بنار الميثاقية يضع البلد كله بالنار”.
وأكد في بيان، أن “لا استقرار للبنان بلا تمثيل وطني صحيح، وإسقاطات البوارج السياسية لا تغيّر حقيقة التوازنات الجذرية بالبلد، والتطمينات ممن نكث بالتفاهم لا قيمة لها، ولن ننام على ضيم، وحذار الإنقلاب على الشراكة والتفاهمات، والاستقواء بالخارج وتقديم مصالحه يهدد البلد، ولسنا ممن ينكسر وهزيمة الأسطورة الإسرائيلية ببلدة الخيام خير دليل على عزمنا وصبرنا وثباتنا الوطني وانتصارنا السيادي، والتمثيل السياسي والوطني هو فقط لقوى لبنان النيابية وليس للخارج، والتمثيل الوطني يجري طعنه بشدة، وملامح ضرب البلد مخيفة جداً”.
ورأى قبلان أن “الطعن بالشراكة الميثاقية أمر خطير جداً جداً، ولن نسمح بتطيير الميثاقية الدستورية ولوازم الضمانة السيادية، وما يجري انقلاب خطير على حماة لبنان وحرّاس سيادته ووجوده، وبلا تمثيل صحيح ومراعاة تامة لميثاقيته الوطنية البلد يتجه نحو كارثة وطنية لا سابق لها، وخيانة الدم والأشلاء التي ما زالت على الأرض أمر لن يمرّ، والطرف الآخر مطالب بإثبات ميثاقية الحكومة والمؤسسات بكل ما فيها وعليها”.
وحذّر قبلان من أنّ “التلميح بفزلكة جديدة للقرار 1701 يضعنا أمام مجزرة وطنية، وقطار التأليف بلا الثنائي الوطني انتحار ميثاقي، وحذار من عزل طائفة التضحيات الوطنية أو الإصرار على قتلها سياسياً لأن ذلك يضع البلد كلّه بقلب المجهول”.
وكان سلام أجرى استشاراته النيابية غير الملزمة في مجلس النواب، وعقد لقاءات مع عدد من الكتل النيابية على أن يكملها اليوم.
والتقى سلام نائب رئيس مجلس النواب الياس بوصعب، ونواب كتل: “تحالف التغيير”، “اللقاء الديمقراطي”، “اللقاء التشاوري المستقل”، “الاعتدال الوطني”، “لبنان القوي”، “الجمهورية القوية”، “الوطني المستقل”، “الكتائب”، “الطاشناق”، “التوافق الوطني”، و”تجدد”.
وقال رئيس لجنة الإدارة والعدل النائب جورج عدوان باسم كتلة “الجمهورية القوية” بعد لقائها سلام “مطلبنا الأساسي قبل الأحجام والحصص أن تكون خطة الحكومة خطاب القَسَم ولا نُريد أنّ نعود إلى أيّ معادلات سابقة منها “جيش وشعب ومقاومة وأن يكون خطاب القَسَم خطة الحكومة ويجب بسط سلطة الدولة على كامل أراضيها ويجب أن ننتهي من حكومات الوفاق الوطني”. مضيفاً: “نريد محاربة الفساد وأن يصدر القرار الظني في قضية انفجار المرفأ في الأشهر القليلة المقبلة ولن نقبل بأي خطّة تؤدي إلى شطب أموال المودعين ونريد أن يبدأ التفاوض من جديد مع صندوق النقد”.
بدوره، قال رئيس تكتل “لبنان القوي” النائب جبران باسيل بعد لقائه سلام: “يجب أن نلتف حول رئيس الحكومة المكلّف كما الرئيس جوزيف عون وهناك فرصة لتوازن جديد في البلد ولشراكة فعلية وإصلاح ما يجب إصلاحه وتسميته ليست هزيمة لأحد”. أضاف “لا نقبل بإقصاء أو تهميش أحد ونُطالب في البيان الوزاري بتنفيذ الـ1701 ووقف إطلاق النار وبسط سلطة الدولة على كل الأراضي اللبنانية”. تابع “تحدثنا عن ضرورة العودة السريعة للاجئين السوريين والعلاقات الندية مع الدولة السورية، بالإضافة إلى الإصلاح المالي عبر التدقيق الجنائي وإعادة هيكلة القطاع المصرفي لإعادة أموال المودعين”. وقال “لم نُطالب رئيس الحكومة المكلّف بأيّ أمر في الموضوع الحكومي ومستعدّون للمساعدة وبرأينا على الحكومة أن تكون ممثّلة للقوى البرلمانية ولكن من اختصاصيين”.
وشدّد رئيس حزب “الكتائب” النائب سامي الجميل، بعد لقائه سلام، على “ضرورة أن هذه الحكومة حكومة كفاءات وشكل الحكومة نتركه للرئيس عون والرئيس المكلف سلام”.
وواصل رئيس الجمهورية العماد جوزيف عون، لقاءاته في بعبدا، حيث استقبل البطريرك الماروني مار بشاره بطرس الراعي على رأس وفد من المطارنة الموارنة. وبعد اللقاء قال الراعي “هنأنا الرئيس جوزيف عون على الثقة وعلى خطاب القَسَم وشرف لنا وتمنينا له التوفيق والنجاح في كل الأمور”. وأضاف “الرئيس تمنى تأليف الحكومة بأسرع وقت دون إقصاء على ان يشعر الجميع بالمسؤولية”. وتابع “تفاءلوا بالخير تجدوه وحان الوقت للتخلص من التشاؤم ونريد العيش جمال الرجاء والأمل وسننهض وهذه نية فخامة الرئيس والرئيس المكلف”.
وعشية زيارة الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون بيروت الجمعة، وبعده الأمين العام للأمم المتحدة انطونيو غوتيريش، وصل وزير خارجية إسبانيا خوسية مانويل الفاريس أمس الى لبنان على رأس وفد، والتقى في عين التينة الرئيس بري، قبل أن ينتقل إلى بعبدا، حيث أعلن بعد لقائه رئيس الجمهورية أن “السلام والأمن والاستقرار أمور مترابطة في دول الشرق الأوسط وموقفنا واضح بأننا نؤيد تطبيق القرار 1701 والاستمرار في وقف إطلاق النار الذي يجب أن يتحول إلى اتفاق دائم”. واستقبل بري سفيرة الاتحاد الأوروبي في لبنان ساندرا دو وال، وعرض معها للوضعين المالي والاقتصادي والتشريعات المتصلة بهما وللأوضاع العامة والمستجدات السياسية والميدانية على ضوء الخروق الإسرائيلية المتواصلة لبنود اتفاق وقف إطلاق النار.
وفي المواقف الدولية، اعتبر الرئيس الأميركي جو بايدن أن الشعب اللبناني بدأ فصلاً جديداً. وكان لافتاً تصريح بايدن الذي يغادر منصبه الإثنين أن “لبنان أخيراً أصبح له رئيس جديد غير تابع لحزب الله”.
ميدانياً، في وقت أجرى وفد من لجنة مراقبة وقف إطلاق النار جولة في القطاع الغربي، تعرضت منطقة برج مطلين في الأطراف الشمالية لبلدة كفرشوبا لقصف مدفعي إسرائيلي، متقطع، ترافق مع عمليات تمشيط بالرشاشات الثقيلة طاولت أحياء البلدة وكان مصدرها مواقع جيش الاحتلال الإسرائيلي في التلال المحتلة المشرفة. وسجل أيضاً توغل قوة مؤللة اسرائيلية من بلدة يارون باتجاه بلدة مارون الراس، في وقت واصلت جرافات إسرائيلية عملية التجريف في حرش يارون لليوم الرابع على التوالي. وبالتزامن دخلت قوة من الجيش اللبناني ترافقها جرافة عسكرية الى بلدة عيترون لإعادة فتح الطريق التي أغلقها جيش الاحتلال الذي أقدم على تنفيذ عملية تفجير كبيرة في بلدة عيتا الشعب، خاصة في الأحياء المطلة على بلدة رميش. وتتعرّض بلدة عيتا الشعب وقرى رامية، وحانين، ومروحين، والضهيرة، ومارون الراس ويارون في قضاء بنت جبيل لعمليات نسف ممنهجة للمنازل.